الاثنين، 11 أكتوبر 2010

الإسلام مشكلة أوباما

الإسلام مشكلة أوباما
د. طارق أبو غزالة
27-8-2010

خرج علينا القس غراهام الابن هذا الشهر ومع احتدام النقاش حول بناء المركز الاسلامي في مدينة نيويورك و مناصرة أوباما لحق المسلمين الدستوري في بناء هذا المركز وما تلا ذلك من هجوم اليمين المتطرف في أمريكا على أوباما واتهامه بأنه مسلم، خرج علينا القس الابن بمقولة ان "مشكلة أوباما تكمن في انه ولد مسلما لأن أباه مسلم"
القس غراهام ليس قساً إنجيلياً عادياً من قساوسة أميركا, ولكنه رئيس جمعية بيلي غراهام الإنجيلية ورئيسها التنفيذي ورئيس منظمة الإغاثة المسيحية العالمية , ووالده هو القس الشهيربيلي غراهام الذي كان مستشاراً روحياً لاثني عشر رئيساً أمريكيا ًبدءاً بهاري ترومان و انتهاء بأوباما.
لذا فإن ما يقوله القس غراهام الإبن له يكتسب أهمية كبيرة كونه يمثل شريحة كبيرة و مؤثرة في مسيحي أمريكا.
وبالعودة إلى كلام القس غراهام فنحن لا نعلم ما المشكلة في أن يكون أوباما مسلما أو غير مسلم ولكن الذي نعلمه أنه لم يشفع للرئيس أن أباه المسلم هجره و أمه وهو ابن سنتين. و لم يشفع له أن أمه مسيحية أمريكية. كما لم يشفع له أنه نشأ في كنف جده و جدته لأمه المسيحيين. ولم يشفع له أنه درس في مدارس أميركا العلمانية و جامعاتها و تخرج منها محامياً رفيعاً يؤمن بأميركا و مُثُلِها. كما لم يشفع له أنه انتخب سيناتوراً عن ولاية إلينوي عام 2004 وأنه أقسم يمين الولاء لمنصبه و يده على الكتاب المقدس. و لم يشفع له أنه انتخب رئيساً لأمريكا عام 2008 و أقسم يمين الولاء مرة أخرى لمنصبه و يده على الكتاب المقدس أمام رئيس المحكمة الدستورية العليا و باقي العالم.
لم يشفع للرئيس أوباما أنه القائد الأعلى للقوات المسلحة الأمريكية و أنه استمر في حربين ضد بلدين مسلمين (أفغانستان و العراق) و لم يف بوعده بإغلاق معتقل غوانتانامو المخصص للسجناء المسلمين.
لم يشفع للرئيس مساندته لاسرائيل في كل طلباتها من الفلسطينين والعرب ووقوفه معها بعد فضيحة مهاجمة وقتل تسعة من الاتراك المسلمين الذين جاؤوا في قافلة الحرية عزّلاً لفك الحصار عن غزة المحاصرة. لم يشفع له كل ذلك, فالمشكلة هي انه ولد مسلماً.
فإذا كان أحد كبار القساوسة ينظر إلى الرئيس أوباما أن لديه مشكلة و هي أنه ولد مسلماً فكيف ينظر القساوسة إلى كل مسلم سواء ولد مسلماً و بقي على إسلامه أو ولد مسلماً ثم بدل دينه؟
ما سر تلك النظرة "المشكلاتية" تجاه كل من ولد مسلماً و لو كان رئيساً مخلصا للولايات المتحدة الأمريكية؟
و إذا كانت تلك مشكلة أوباما فهل سيفكر مسلم أمريكي يوماً أن يترشح لمنصب رئيس البلاد؟ أليست هذه رسالة إلى كل من ولد أمريكياً مسلماً أن لا تحلم بأن تكون يوماً رئيساً لنا فمشكلتك أنك ولدت مسلماً و لو تنصرت. أليست تلك رسالة مفادها و لن ترضى عنك اليهود و لا النصارى و لو كنت أوباما؟
ما هي المشكلة إذاً؟ لماذا لدى أوباما "مشكلة؟
إن تحليل الأمر ليس بالبسيط و يعود تاريخه إلى ألف سنة خلت. إلى بدايات الألفية الثانية و نهاياتها.
ففي بدايات الألفية الثانية و في عام 1096 للميلاد بدأت أولى الحملات و الحروب الصليبية على بلاد المسلمين. و الذي يقرأ أسباب الحملة سيجد أن جزءاً كبيرأ من ذلك يعود إلى نظرة الاستعلاء و التكبر. فالهدف المعلن للحملة و الذي التفت حوله الجماهير الأوربية كان تخليص موطن المسيح (عليه السلام) من نجاسة المسلمين. ولا يدل ذلك إلا على نظرية الاستعلاء في نفس الأوربي المسيحي تجاه كل من ليس كذلك و لو كان مسيحياً شرقياً.
أما في نهايات الألفية الثانية فقد بدأ عصر الاستعمار الغربي للشرق. بدأت بذور ذلك العصر برحلات الاستكشاف الغربية التي كانت تهدف إلى الالتفاف حول طرق التجارة العالمية بين الغرب و الشرق و التي كانت آنذاك تحت سيطرة المسلمين. و بذلك اكتشف كولومبوس أميركا و اكتشف فاسكو دو غاما رأس الرجاء الصالح. و كانت نتيجة اكتشاف كولومبوس إبادة 13 مليونا من السكان الأصليين لقارة أميركا (الهنود الحمر) و من ثمّ استعباد ملايين السود من قارة أفريقيا ليقوموا بخدمة العالم الجديد.
أما نتيجة اكتشاف فاسكو دو غاما فكانت سلخ الهند من المسلمين و استعمارها و السيطرة عليها, وبذلك بدأ عصر التفوق العسكري للغرب ضد الشرق. منذ ذلك التاريخ لا يسمح الغرب للشرق العربي الإسلامي بأي تفوق عسكري و كل من تراوده نفسه بسلوك سبيل التطور و التفوق العسكري يضرب ويباد وخير مثال مصر أيام محمد علي باشا و العراق أيام صدام حسين.
بسقوط المشرق العربي و الإسلامي تحت الاحتلال الغربي الاستعماري في القرن التاسع عشر و العشرين بلغ الاستعلاء والتكبر ذروته. وكان يغذي هذا الاستعلاء و التكبر حالة التخلف الشديد التي وصل إليها المسلمون في كل مكان.
وانتقلت حالة التكبر تلك إلى وسط العالم العربي الإسلامي عبر هجرة اليهود الغربيين أولا إلى فلسطين وتأسيس دولة إسرائيل بمعاونة الغرب متمثلاً ببريطانيا العظمى في مرحلة التأسيس ثم انضمام فرنسا في مرحلة التسليح النووي و انتهاء بالولايات المتحدة في مرحلة التثبيت. انتقلت حالة التكبر و الاستعلاء من الغرب إلى اسرائيل متمثلاً بنظرة الاستعلاء التي يكنها اليهود الغربيون (الأشكيناز) على كل من سواهم من الشرقيين من مسلمين ومسيحيين بما في ذلك اليهود الشرقيون (السفارديم).
في مقابل ذلك, و بسبب الحروب و ما جرتها على العالم العربي من ويلات و كوارث بدأت هجرة معاكسة من الشرق إلى الغرب هاجر فيها مئات الألوف بل الملايين من العالم العربي إلى أوربا و أميركا.
بداية لم تشكل تلك الهجرة أي أثر يذكر على نمط الحياة الغربية بل معظمها ذاب في المجتمعات الغربية و لكن مع تنامي حالة العداء للغرب في العالم العربي وبدء الصحوة الإسلامية, بدأ المهاجرون العرب ينتقلون إليه وفي نفوسهم حاجز نفسي تجاهه. وبدأوا يتكتلون ولكن من دون انتظام في أي حياة سياسية في الغرب. وبدأ جدل كبير بين المسلمين الغربيين الذين أسلموا و إخوانهم الشرقيين عن جدوى الانخراط في الحياة السياسية و الاجتماعية في الغرب. و كان هذا الجدل غالباً ما ينتهي بإغلاق باب الانخراط السياسي و الاجتماعي تحت حجج الولاء و البراء و المفاصلة من دون أي اعتبارات لوضع المسلمين الغربيين والأخطار الناجمة عن الانعزال عن مجتمعاتهم الجديدة. وكثيرة هي الفتاوى التي كانت تطالب أي امرأة غربية اعتنقت الإسلام بالانفصال عن زوجها و أسرتها بل و مناصبتهم العداء لأنهم غير مسلمين.
ولكن لابد لكل فعل من رد فعل. ورد المسلمون الغربيون بفتح الجدل و النقاش مرة أخرى في مسألة الانخراط في الحياة السياسية و الاجتماعية في الغرب و في هذه المرة و بعد نقاش دام سنوات و بفضل المتنورين من علماء المسلمين الذين زاروا الغرب بل و عاشوا فيه بدأت طلائع الاجتهاد الجديد بالإثمار. ومع نهايات القرن العشرين و بدايات القرن الجديد بدأ المسلمون ينخرطون في كل مناحي الحياة الغربية التي توافق القيم الاسلامية. كانت حركة الانخراط هذه تسير قدما و بشكل حثيث رغم الصعوبات الداخلية و الخارجية التي واجهتها من المسلمين أنفسهم ومن المتعصبين الغربيين.
تمثلت الصعوبات الداخلية (داخل المجتمع المسلم الأمريكي) برفض البعض من المسلمين المهاجرين الانخراط في المجتمع الغربي بل و الإصرار على نقل عادات و تقاليد المجتمع الشرقي كما هي دون تبديل إلى المجتمع الجديد. وانتقلت عدوى رفض الانخراط هذه إلى بعض المسلمين الغربيين الذين ظنوا أن الشكل الإسلامي مقصور على الشكل الشرقي وأن لابد من ختم الشرق المسلم على كل قرارات أخيه الغرب المسلم قبل أن تصبح قابلة للتنفيذ. ولعلك أصبحت ترى في بعض الأحيان مسلماً غربياً لا يختلف شكلاً عن المسلم الشرقي بل ولا يختلف سلوكاً متمثلاً في الانعزال و تبني عقيدة الولاء و البراء ضد الجميع ممن ليسوا بمسلمين إلى درجة التحريض عليهم بل و الفتوى أحيانا بقتلهم بدعوى أنهم هم من انتخب القيادات الأمريكية التي كانت ماتزال داعمة لإسرائيل و تخوض حرباً في الصومال وتحاصر و تحارب العراق. وانتهى الأمر بتفجير سيارة تحت برج التجارة العالمي عام 1993 ودخول العلاقة بين المسلمين و باقي الأمريكيين منحى جديداً.
أما الصعوبات الخارجية (خارج المجتمع المسلم الأمريكي) فالمجتمع الغربي الأمريكي نفسه كان قد خاض داخلياً عدة حركات مواجهة بين الأنغلوساكسون القابضين على زمام السلطة والثروة و باقي الأعراق من إيطاليين و إيرلنديين و شرقيين (يابانيين و كوريين و صينيين) و زنوج وإسبان انتهت كلها بالإقرار بحقوق تلك الأقليات الدستورية دون نقصان و لو أن كل تلك الأقليات مازالت في حالة تأهب و توثب ضد أي انتهاك أو التفاف قد يقوم به أي طرف على تلك الحقوق التي انتزعوها انتزاعاً عبر صراع طويل.
وهنا تبرز أهمية العلاقة بين داخل المجتمع المسلم و خارجه في أميركا و تأثير ذلك على المجريات المحلية و الدولية. فعلى الصعيد الداخلي تنبه المسلمون إلى خطورة وضعهم وهشاشته صبيحة الحادي عشر من سبتمبر و الطائرات تختطف و تضرب و تدمر برجي مركز التجارة العالمي و الجدار الجنوبي الغربي لوزارة الدفاع الأمريكية. كان لابد للقيادة الأمريكية من الرد على تلك الهجمات الآثمة الشنيعة. وكان موطن الرد في عمق العالم الإسلامي. لذلك انتبهت القيادة السياسية إلى أهمية عدم المساس بالإسلام من ناحية المبدأ و عدم المساس بالمسلمين الأمريكين بشكل ثانوي و محاولة احتوائهم وعدم السماح باستهدافهم. و رغم كل محاولات الحكومة الأمريكية فقد تعرض المسلمون إلى حملات كراهية رغم أنها كانت الأقل في دول العالم الغربي. وزار الرئيس الأمريكي يومها جورج بوش المسجد مرتين و تكلم عن سماحة الإسلام وتكلم الكثير من ذوي المناصب الحكومية الفدرالية أن الإسلام ليس هو المستهدف في الحرب الجديدة على الإرهاب, بل وأنشأ لذلك إدارة خاصة في وزارة الخارجية الأمريكية لتلميع صورة أمريكا في العالم الإسلامي رئستها المستشارة كارين هيوز التي تربطها بالرئيس جورج بوش علاقة عمل حميمة. ولكن مع الكلام عن سماحة الإسلام بدأت حملة حكومية منظمة ضد المسلمين وبدأ الكونغرس وبتأثير من الإدارة الأمريكية بسن وتشريع قوانين جديدة ضد الإرهاب فصلت على مقاس المسلمين في أميركا سميت بقانون مكافحة الإرهاب الذي استهدف المسلمين و لكن طالت نتائجه كافة شرائح المجتمع وأصبحت الخصوصية الشخصية التي ميزت المجتمعات الغربية عموماً وأمريكا خصوصاً والتي كانت محمية بالقوانين سابقاً, أصبحت هذه الخصوصية تاريخاً يترحم عليه.
على صعيد آخر فقد رافق الحملة الحكومية على المسلمين حملة منظمة أخرى ولكن هذه المرة على مستوى الإعلام الأمريكي. هذه الحملة الإعلامية كانت عكس الحملة الحكومية ليست موجهة ضد المسلمين ولكن ضد الإسلام (لأن القوانين الأمريكية تمنع استهداف الأفراد والتشهير بهم بناء على عقائدهم وأي استهداف لمسلم خطاً في غير مكانه قد يترتب عليه نتائج قضائية و مالية كبيرة في حال رفع المسلمون الدعاوي ضد التشهير)
بدأت الماكينة الجبارة للإعلام الأمريكي بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر بالتهجم على الإسلام وثوابته على حذر واستحياء بادئ الأمر ثم اشتد هذا التهجم مع المحافظة على خطوط حمراء لا يتعداها ولكن و في الآونة الأخيرة تحول هذا التهجم الحذر إلى هجوم شديد سافر متسارع منظم وممول.كان أحد أسباب هذا الهجوم السافر على الإسلام هو الجهد و الإنهاك الذي أصاب المسلمين بسبب استهدافهم المنظم من الحملة الحكومية التي كانت تراقب مساجدهم و تحركاتهم الداخلية و الخارجية وتمنع بعضهم من الصعود للطائرات وتدس المخبرين بين صفوفهم ثم تعتقلهم و تزج بهم في السجون لسنوات طويلة بل و حتى لعقود و تتبع أرصدة أموالهم و مصارف زكاتهم و صدقاتهم. منع هذا الإنهاك المسلمين من الدفاع عن دينهم كيلا يشك بولائهم لبلدهم أمريكا.
هذه الحملة آتت أكلها أول الأمر فانكمش المسلمون و أحجموا عن الانخراط الجاد في الدفاع عن دينهم و أنفسهم اللهمّ إلا بعض الأفراد و المنظمات الإسلامية التي كانت تحاول جاهدة الحفاظ على مكتسبات مرحلة ماقبل الحادي عشر من سبتمبر والتي بدأت تتبخر و الحفاظ على كينونة المسلمين أنفسهم في أمريكا التي ينتمون إليها, هذه الكينونة التي أصبحت هي نفسها مهددة سواء من حيث استهداف الحكومة للمسلم لأنه شرير فطرة أو تصوير الإعلام لدينه بأنه شرير أصلاً. وانتهى الأمر اليوم بتصوير أي مسلم في مريكا أو خارجها بأنه شر محض وأن دينه شر محض. وليس أدل على ذلك من الحملة المسعورة التي قام بها بعض من أعضاء الكونغرس عندما علموا بوجود متدربين أمريكيين "مسلمين" في مكاتبهم.
تختلف إذاً هذه الحملة على المسلمين في أمريكا عن حملات استهدفت أقليات أخرى بأن الحملة على المسلمين استهدفت المسلمين و مايؤمنون به. أما الحملات على غيرهم فهي نوعان أما استهداف للٌأقلية نفسها و اضطهادها و إما استهداف لما يؤمن به الأفراد المستهدفون.
فاستهداف الإيطاليين و الإيرلنديين و الزنوج و اليابانيين و الصينين و الإسبان واليهود كلها استهدفت تشويه صورة أفراد هذه الأقليات دون تشويه ما يؤمنون به.
أما استهداف الأمريكين ذوي الميول الشيوعية في منتصف القرن العشرين من قبل السيناتور مكارثي فقد استهدف ما يؤمن به أولئك الناس دون تشويه انتماءاتهم العرقية و الدينية.
أما استهداف المسلمين في أمريكا اليوم فهو تشويه المسلمين و ما يؤمنون به و هذه هي الحالة الوحيدة التي تستهدف تشويه جماعة بشرية معينة و تشويه ما تؤمن به وهذه المرة الأولى التي يجري فيها ذلك في تاريخ أمريكا.
لم تستهدف الحملات السابقة إيمان الناس و دينهم من إيطاليين و إيرلنديين لأنهم يدينون بالنصرانية الدين نفسه لمعظم الأمريكين. ولم تستهدف معتقد الصينين و اليابانيين لأسباب أخرى أهمها أن البوذية والهندوسية ليست ديانة تبشيرية كالإسلام وليست منهج حياة ديناميكي يتجدد بتجدد الزمان و تبدل المكان, ولم تستهدف إيمان السود الأمريكيين لأن معظمهم اعتنق المسيحية. كما لم تستهدف الحملة ضد الشيوعية تشويه الناس لأن المتعاطفين مع الشيوعية في ذلك الزمان أتوا من كل أطياف المجتمع و لم يقتصروا على فئة دون أخرى فكان منهم الأبيض و الأسود و المسيحي و اليهودي.
وهنا تكمن معضلة أمريكا! هذه المعضلة تبدو كالدائرة المفرغة لا حل لها.
فاستهداف المسلمين وتشويههم و تشويه ما يؤمنون به انتهى إلى نتيجة غير متوقعة على الصعيدين الداخلي و الخارجي.
فعلى الصعيد الداخلي أدى هذا الاستهداف إلى استهداف المسلم الأبيض الأنغلوساكسوني و الإيطالي و الإيرلندي و الأسود و الإسباني و العربي و الهندي و الباكستاني وكل هؤلاء ينتمون إلى أقليات أخرى فيهم المسلم و غير المسلم و هذا يزرع بذور الانفجار داخل كل أقلية ويمهد لاصطفاف جديد. فالأقلية السوداء التي كانت على مر العقود متكاتفة بغض النظر عن أي اعتبارات او انتماءات أخرى إلى درجة تجعل الجنرال المحافظ من حزب الجمهوريين كولن باول الأسود يؤيد المرشح الليبرالي من حزب الديموقراطيين باراك أوباما الأسود على منافسه المحافظ مرشح الحزب الجمهوري جون ماكين الأبيض. هذه الأقلية الآن مهددة بالانقسام بين أسود مسلم و أسود مسيحي ومهددة بنسيان الذاكرة الجمعية لهذه الفئة التي عانت ألوان العذاب والعبودية و الذل والاضطهاد بغض النظر عما يؤمنون به. كلنا شاهد القس مارتن لوثر كينغ الأسود في مناهضته للعنصرية و قد اصطف وراءه المسلمون السود.
وينسحب ذلك على باقي الأقليات و الأعراق. سينسى الإسبان معاناتهم واضطهادهم ونظرة التمييز ضدهم لأن الشرير فيهم هو الإسباني المسلم.
إن التمييز اليوم ضد المسلمين سيتغلغل إلى داخل المجتمع الأمريكي بكافة أطيافه وستأكل أمريكا أبناءها.
أما على الصعيد الخارجي فقد أدى استهداف المسلمين و تشويه دينهم إلى استقطاب شديد ضدهم في كل أرجاء العالم الإسلامي. فالذين أتوا ليحرروا أفغانستان و العراق من طالبان و صدام كيف لهم أن يكسبوا قلوب و عقول الأفغان و العراقيين والإعلام الأمريكي و حكومته يعرِّضون بالإسلام و المسلمين ليل نهار؟ وهل سيقبل أهل فلسطين بأميركا كويسط نزيه لحل قضيتهم مع اسرائيل التي تهتكت صورتها بسبب فظائعها بينما الإعلام الأمريكي و حكومته يستهزءون بالإسلام و المسلمين صباح مساء؟
أما على صعيد حلفاء أمريكا في العالم العربي و الإسلامي فهؤلاء سيكونون أول ضحايا هذا الاستهداف خاصة مع استنكاف هؤلاء عن محاولة صد هذه الهجمة على الإسلام والمسلمين وثانياً مع ظهور المعلومات التي تشير إلى استثمار كبير من أموال هؤلاء الحلفاء في ماكينة الإعلام الأمريكي. وكأن المال الإسلامي و العربي هو الذي يغذي حملة الكراهية على الإسلام والمسلمين. عندما يفيق المسلمون على هذه الحقيقة فأول ما يتوقع هو قطعهم لتلك اليد التي تزود ماكينة الإعلام الأمريكية بالمال اللهمّ إلا إذا أفاق الحلفاء وقطعوا المال أنفسهم قبل أن تقطع أيديهم. ليست هذه دعوة للتحريض على الحلفاء و لكنها محاولة قراءة ما قد يتكشف عنه المستقبل إن استمر اصطفاف الحلفاء مع أمريكا في الوقت الذي يصور الإسلام و المسلمون أنهم شر محض.
إن الصورة السابقة كانت أن أمريكا تدعم حلفاءها على شعوبهم في العالم العربي و الإسلامي. أما الصورة اليوم فهي أن حلفاء أميركا يدعمونها فيما تذهب إليه من استهداف و تشويه للإسلام و المسلمين و فرق كبير بين الصورتين.
الصورة السابقة احتملت اللبس بأن الأمر يقع في باب السياسة وأن دعم أميركا إنما هو دعم ضد أخطار كبرى تهدد المنطقة من إرهاب و قوى صاعدة على سلم النادي النووي. أما الصورة اليوم فلن تحتمل أي لبس لأن أي تشويه ضد الإسلام و المسلمين كان منذ فجر الإسلام خطاً أحمر لأن الإسلام يقارع الحجة بأختها أما قذفه والمسلمين بأشنع الألفاظ دون إتاحة الفرصة لهم للرد على الأقل فستعود على الجميع بأسوأ العواقب.
بعد كل ذلك لا بد من الإشارة إلى حالة التفاؤل التي سادت بين المسلمين داخل أميركا و خارجها مع قدوم أوباما إلى البيت الأبيض. هذا التفاؤل بدأ بالتآكل بسبب اشتداد الحملات على الإسلام و المسلمين داخل أميركا و خارجها بل قد تغير إلى حالة من التشاؤم و اليأس الذي سيؤدي دون شك إلى مواجهة لا داعي لها بين أمريكا و العالم و الإسلامي.
إن استنكاف الرئيس السابق بوش عن الإدلاء برأيه في مسألة المركز الإسلامي وسماحة الإسلام كما كان يفعل أيام رئاسته و ذهاب بعض أعيان إدارته إلى التهجم على المشروع علنا أو المطالبة بنقل المركز الإسلامي إلى مكان أبعد من المكان الحالي المزمع إقامته عليه كما ورد في مقالة في الواشنطن بوست بتاريخ 22-8-2010 بقلم كارين هيوز المسؤولة السابقة في إدارة بوش و المسؤولة آنذاك عن تحسين صورة أمريكا في العالم الإسلامي, إن هذا الاستنكاف لعله يشير إلى نفاق تلك الإدارة يوم أن نادت بتسامح الإسلام بينما هي تخوض حروبها في ذات العالم الإسلامي.
ليست المشكلة إذاً في الإسلام ولا في معتقد الرئيس أوباما سواء كان مسلماً أو غير ذلك و لكن المشكلة في عقلية الاستعلاء عند تلك الفئة من الناس التي تظن أن التاريخ يبدأ بها وينتهي وأن أرض الله الواسعة لا تسع غيرها.
أما الحل لتلك المشكلة فليس في نقل المركز الإسلامي بعيداً عن مكانه الأصلي و لكن الحل يكمن في وقف تلك الحملات المسعورة على الإسلام و أهله داخل أميركا و خارجها, ثم انفتاح العقول على الإسلام ومن ثمّ مد الجسور بين أولئك الذين يظنون أن المشكلة في الإسلام والمسلمين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق