الاثنين، 11 أكتوبر 2010

المواطنة و الوظيفة و تقرير غولدستون

المواطنة و الوظيفة و تقرير غولدستون

لا أعلم سبب هذا الغضب الكبير على محمود عباس و السلطة الفلسطينية لسحبها تقرير غولدستون من التصويت أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.

لماذا هذا التحامل على محمود و السلطة؟

فداك دحلان و عبد ربّه يا سيدي الرئيس.

هل يحق لنا هذا التحامل على الرجل وسلطته؟

هل يستطيع الرجل حقاً التقدم بالمشروع بالتصويت؟ هل يعود ذلك له و لرئيس وزرائه السيد سلام فياض؟

هل يستطيع الرجل حقاً أن يدافع عن حقوق الشعب الفلسطيني؟

هل يستطيع الرجل حقاً إذا سِيمَ الخسف أن يقول بملء فيه لا؟!

هل يستطيع الرجل أن يقف أمام نتنياهو و يخالف له طلباً والرئيس أوباما ومن قبله الرئيس بوش لم يستطيعا مخالفة رئيس وزراء إسرائيل؟

لماذا نتوقع من محمود و من السلطة الوطنية الفلسطينية أي نصرة للشعب الفلسطيني؟

أليس توقع تلك النصرة من ذلك الرجل هو بحد ذاته غباء؟ ألسنا إذاً أغبياء عندما نغضب من محمود عباس؟

لو كان لأحدنا ولد ذو مستوى منخفض الأداء في المدرسة هل يعقل أن نغضب كلما أثبت لنا أداءه المنخفض بامتياز؟!!

أنما يغضب الوالدان عندما ينخفض أداء الولد المتميز حقاً.

وكذلك الشعوب, إنما تغضب على ساستها حين ينخفض أداؤها المتميز و تستبدل بهم قوماً آخرين ليرقـَوا بها ولا يكونوا أمثالهم.

أما نحن فمازال ساستنا يسوموننا سوء العذاب, يذبحون أبناءنا و وينهبون ثرواتنا, ويدمرون مستقبلنا بغية الحفاظ على الشركة (الشركة هنا بدل الكرسي, لأن حكامنا أصبحوا رؤساء شركات و ليسوا رؤساء دول) وما زلنا رغم ذلك نتمتع بكل صفات الموظف المطيع الذي يعمل في شركة الرئيس.

فلنواجه الحقيقة! نحن لسنا مواطنين أحراراً بل نحن موظفون عبيد في شركة خاصة وليس حتى عامة. و الموظف لا يحق له أن يتذمر من رئيس شركته و إلا كانت عقوبته الطرد من الشركة في أحسن الأحوال أما أسوأ الأحوال فعلمها عند ربي.

أما المواطن الحر فهو يؤمن أن رئيس الدولة موظف يعمل لديه و يسهر على راحته و راحة أسرته و ليس العكس.

فرق كبير بين الاثنين الموظف العبد و المواطن السيد.

وهنا تُحلُّ المعضلة (الفلسطينية) التي ورثناها من أيام الرئيس عرفات الذي كانت كل مقاليد الشركة بيده من أمن و أموال يوزعها على الموظفين فيشتري ولاءهم.

وعندما حوصر الختيار في مقاطعته في رام الله كان كل ما هو مطلوب عالمياً هو نقل الأمن و الأموال لرئيس الشركة الجديد, محمود! وبعد أن تم ذلك أصبح الولاء لمحمود.

وعندما الشعب يوما أراد الحياة و استجاب لذلك القدر وانتخب الشعب موظفيه لخدمته كما تفعل كل الشعوب المتقدمة كان لا بد من نقل الأمن و الأموال للموظفين الجدد. هنا قامت القيامة و لم تقعد. و منع محمود ذلك الانتقال بإيعاز من شركائه بعض رؤساء الشركات المجاورة وبإيعاز من رئيس الشركة العام في إسرائيل.

حتى أدعياء الديمقراطية الغربية أولئك المنتخبين بحرية على شاكلة حركة المقاومة الإسلامية ليخدموا شعوبهم لم يوفروا طريقة لتكريس هذا المنع.

كفانا إذاً تباكيا على ما أصابنا. كفانا دعاء على من ظلمنا. فلا التباكي ينفع و لا الدعاء يستجاب و نحن نبكي وندعو ليلاً, حتى إذا تنفس الصباح هرعنا إلى وظائفنا نقبل يد رئيس الشركة و ندعو له بطول العمر.

لن تـُحلّ مآزقنا ما لم نفهم دورنا مواطنين أحرار و ليس موظفين عبيداً.

الموظف عبد عند سيده والمواطن سيد نفسه. هذه أروع ثمرات الاستعمار. بث عبودية الموظف في كل نفس.

تجّارنا شركاء للرئيس. قواتنا وشرطتنا و جيشنا يعملون عند الرئيس لحماية أمنه الشخصي و لتحترق غزة بل ليبلعها البحر!

أساتذتنا ومدرسونا لايفتؤن يلهجون ليلاً و نهاراً بالثناء للرئيس و مكرمات الرئيس و هبات الرئيس.

علماؤنا ومشايخنا عبيد عند الرئيس و من لم يرضوا بأن يكونوا عبيدا لا يملكون من أدوات التجديد شيئاً لا مالاً ولا خيلاً إلا قولاً جميلاً لا يغني من الحق شيئاً.

رؤساءنا شركاء مع رؤساءهم ونحن عبيد لكلا الطرفين.

هذه الصورة تحلُّ إشكال القـُبل الحارّة بين "محمود و إيهود" (ينفع عنوان مسلسل لرمضان القادم من 30 حلقة مليء بالقبل الحلال بين الرجلين!). فهي قٌـبل الشريك لشريكه متمنياً له التوفيق في صفقاته على حساب شعبه. و من هنا نفهم صفقة الاسمنت, و الجوال, و الحليب. و من هنا نفهم صفقات إدخال الأغذية والأدوية لغزة عبر رئيس الشركة الغربية ( البلد المجاور لغزة غرباً)

ومن هنا نفهم التوريث. فمن يرث الشركة أكبر أبناء الرئيس البئيس و يبقى كبار الموظفين الذين يؤمنون انتقالاً سلمياً للشركة. أما صغار الموظفين -أي نحن- فنبقى صغاراً إلا من رحم رئيس الشركة فأكرمه و نعمّه فيقول ربي أكرمن!

ليس الغرض من كتابة هذه السطور هو لوم محمود أو غيره فلسان حال محمود و باقي رؤساء الشركات العرب يقول "ووعدتكم فاخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم" . الغرض الحقيقي من هذه السطورهو أن ينظر كل منا إلى المرآة ويحاول أن يتلمس ملامحه؟ هل يرى فيها موظفاً عبداً أم مواطناً حراً؟

كل الأدلة تشير أن الأغلبية منا سترى فيها موظفا عبداً لا يحسن إلا الحلب و الصرًّ. لذلك لا نستغرب طلب محمود وسلطته سحب التصويت على القرار في مجلس حقوق الإنسان.. ولعل له عذر في ذلك فهو إنما أراد تحويله إلى الهيئة العامة لحقوق الحيوان لأنه لم يعد يرى فينا حتى موظفين...!

أما القلة الباقية الحرّة فنراها يومياً في صحن المسجد الأقصى, وفي خنادق بغداد, وعلى رمال غزة وفي كفِّ منتظرٍ ثانٍ يرمي بحذائه محمود

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق