الاثنين، 11 أكتوبر 2010

الثقة بين المريض والطبيب جسر مفقود لا بد من بنائه

الثقة بين المريض والطبيب جسر مفقود لا بد من بنائه

د. طارق أبو غزالة
بعد ساعة من الإنصات لشكوى مريضي وفحصه فحصاً دقيقاً والاطلاع على كل اختباراته التي كان قد أجراها قبل زيارتي فى مراكز ومشافي عديدة, بدأت بشرح المرض وأعراضه وعلاجه وماهو المطلوب من المريض لمتابعة هذا العلاج.
قاطعني المريض قائلا: يادكتور سأكون صريحاً معك. أنا لا ثقة لي بأي طبيب عربي كل ما أطلبه منك أن تكتب لي توصياتك بتقرير وتعطيني إياه.
قلت له: إن كنت لا تثق بأي طبيب عربي فلماذا تريد تقريري. قال: كي يكون معي عندما أذهب الى جنيف حيث طبيبي الخاص! قلت له وهل هذا الطبيب الخاص متوفر لك دوماً. أجاب: لا, ولكن عندما أسافر في الصيف يراني مرة واحدة وهذا يكفي.
ضربت كفاً بكف متعجباً من مريضي هذا.
ففي خلال ممارستي للطب خلال ثلاثة عشر عاماً قضيتها في أكبر المشافي والمراكز الطبية في الولايات المتحدة الأمريكية لم يسبق أن مرّ بي مريض لا يثق بي كطبيب حتى خلال أيام التمرين والاختصاص. فالمريض يبقى على طبيب واحد لا يغيره عادة إلا في حالات قليلة منها انتقال المريض إلى مدينة أخرى أو انتقال الطبيب .
هذه المشكلة من انعدام الثقة بين المريض والطبيب العربي تكاد تكون شاملة لمعظم البلدان العربية وليست محصورة فى بلد دون آخر. وتكاد تكون موجودة عند معظم المرضى العرب وليست محصورة عند فئة قليلة, فحتى المريض الذي لا يستطيع أن يصل الى جنيف أو باريس أو لندن أو أمريكا لا يثق بطبيبه وينتقل من طبيب الى آخر باحثاً عن التشخيص والعلاج.
إن هذه المشكلة مشكلة حقيقية لابد لعلاجها من معرفة أسبابها ونتائجها ثم محاولة وضع اقتراحات لحلّها للنهوض بالصحة العامة فى وطننا الغالي.

أسباب انعدام ثقة المريض بالطبيب:
إن من هذه الأسباب ماهو حقيقي و منها ماهو متوهَّم.

الأسباب الحقيقية:
السبب الأول: تدنّي مستوى الطب عموماً في بلادنا
إن الطب في بلادنا لم يصل بعد إلى المستوى المطلوب وليس ذلك لعيب في الطبيب ولكن لعيب النظام التعليمي في كليات الطب ثم عيب النظام التدريبي في المشافي ومن ثَمَّ عيب النظام الطبي العام وانعدام حوافز المتابعة العلمية للطبيب.
والأطباء الذين تخصصوا في الدول المتقدمه يعلمون الفرق بين إمكانيات تعليم طلاب الطب في بلادنا وبلاد الغرب.
هذا التباين ينتقل الى مرحلة التدريب والتخصص. فإمكانيات التعليم السريري في الغرب ومتابعة المرض تمكن الطبيب من التعرف على سيرهذا المرض او ذاك ومتابعة آخر المستجدات لتشخيصه وعلاجه. وهذا مازال صعباً في بلادنا . أما متابعة التحصيل العلمي خلال الممارسة العملية للمهنة أي عبر المؤتمرات والمحاضرات فلا توجد هيئة تضبط ذلك إلا في قليل من الدول العربية. أما الطبيب في الغرب فمطالب بأن يقدم مايثبت أنه يتابع تعليمه وتطوير مهنته بمالايقل عن عشرين ساعه سنوياً وهذا يعني حضور مؤتمر من أربع أيام بمعدل خمس ساعات كل يوم أى حوالي عشر محاضرات في اليوم.
والطبيب الذي لا يقدم مايثبت ذلك لا تجدد رخصة مزاولته للمهنة وبالتالي يفقد قدرته على العمل.
إن وجود الإنترنت اليوم قد سهَّل على المريض التعرُّف على طبيبه بشكل دقيق فكل مايحتاجه أن يزور موقع البورد الأمريكي مثلاً ويدخل اسم طبيبه فيعلم إن كان مجازاً في البورد أم لا ومتى تاريخ انتهاء هذه الإجازة . وإن كان قد جدَّد هذه الإجازة, ثم زيارة الموقع الرسمي لوزارة الصحة يستطيع أن يعرف إن كان طبيبه يحمل ترخيص مزاولة المهنة ومتى تنتهي صلاحية هذا الترخيص.
إن هذه المنظومة المعرفية هدفها بناء الثقة بين الطبيب والمريض.
إن كلمة طبيب استشاري Consultant فقدت الكثير من أهميتها بسبب من يدعي حيازتها دون وجه حق وفي ذلك غمط لحق من حازها علماً و خبرة.
إن وجود هيئات حكومية للتخصصات الصحية في بعض بلادنا العربية أمر رائع لا بد من تعميمه على باقي الدول العربية. فذلك يضع ضوابط لممارسة هذه المهنة النبيلة. إن الخطوة التالية بعد ذلك هي التواصل مع الناس عبر الإنترنت بحيث يصبح في مقدور أي مريض أو مريضة الاطّلاع على مؤهّلات الطبيب أو الطبيبة من خلال زيارة مواقع هذه الهيئات.
فالطبيب ليس لغزاً من الألغاز, إنما هو صاحب مهنة خطيرة و حساسة لما فيها من تعامل مع حياة و أعراض الناس. لذلك كان لابد من أن تكون مؤهلات كل من يدّعي أنه طبيب متاحة للجميع كي يطّلع عليها إن شاء قبل الذهاب للطبيب و تسليمه جسده و نفسه.
هل هذه المنظومة المعرفية كافية بمفردها لبناء الثقة بين المريض و الطبيب؟
الجواب لا ولكن عدمها يمنع من بنائها.
إذاً هى ضرورية لمرحلة أولى لبناء الثقة.

السبب الثاني : سلوك الطبيب مع المريض
إن نظرة الطبيب التجارية للمريض أنه زبون يجب الاستفادة المادية منه الى أقصى درجة قبل أن يغادر هذا الزبون الى دكّان الطبيب المنافس, هذه النظرة قد هدمت الثقة بين المريض والطبيب وأثقلت كاهل المريض بمصاريف إضافية وهذا كلّه يدخل في ناتج الإنفاق القومي على الصحه بلا حاجة.
فلا المريض ولا عائلته باتوا يثقون أنهم يحصلون على آخر ماتوصل إليه الطب في التشخيص وعلاج المرض.
أضف إلى ذلك ما يفعله بعض الأطباء من غمزٍ و لمزٍ لزملائهم الأطباء في سبيل الاستحواذ على المريض بدل إنفاق الوقت في شرح المرض و العلاج للمريض.



السبب الثالث: الأميّة الصحيّة
وهنا أقول إنَّ المريض هنا يتحمل جزءاً من المسؤولية وذلك بسبب انتشار ما أسمّيه "الأمّية الصحّية" الموجوده في مجتمعاتنا. فالنظرة الى المرض أنه شيء خبيث يجب عدم التحدث عنه أو معرفته هي نظرة النعامة تدفن رأسها فى الرمال تظن أن الخطر قد زال.
يعلم كثير من زملائي الأطباء أن أهل المريض في كثير من الأحيان يرفضون إطلاع المريض على مرضه والأصل أن ينكب المريض وذووه على التعرُّف على المرض عبر القراءة والبحث عنه. بذلك تصبح العلاقة بين المريض والطبيب علاقة تشاركية حقيقية يستطيع الطرفان فيها أن يبنيا خطة علاجية لكل منهما فيها دور يجب أن يؤديه.
فالطبيب عليه التشخيص والعلاج الملتزم بالدقة والمريض عليه فهم مرضه واتِّباع تعليمات الطبيب.
إن أكثر المواضيع التي يبحث الأمريكيون عنها على الإنترنت هي مواضيع تتعلّق بالصحة.
هذا يدعونا إلى نشر الثقافة الصحية على الانترنت وعبر وسائل الإعلام المختلفة لتصبح متاحة للناس. إن القناة الفضائية الأمريكية "اكتشاف الصحة" ((Health Discovery Channel من أنجح القنوات و يتابعها الناس بكافة فئاتهم. فالمرض لا يميز بين جنس, أو لون أو عمر.
ومن الوسائل الأخرى التي تكافح "الأمية الصحية" هي وجود مجموعات من المرضى يجمعهم مرض مشترك يسري فيه المرضى عن بعضهم ويتعلمون من بعضهم طرقاً مختلفه في التكيف مع أمراضهم.
من أعراض الأمية الصحية الأخرى التى تفعل فعلها فى هدم الثقة بين المريض والطبيب هو لجوء المريض في كثير من الأحيان للصيدلي بدل الطبيب للحصول على الدواء. وفي هذا خطورة كبيرة على المريض, فالصيدلي له معرفة كبيرة بعلوم الدوائيات ولكن لا علم للصيدلي بشكوى المريض وأمراضه والأدوية الأخرى التى يتناولها وكيفية استجابة المريض لها. وهذا مايميز العلاقة بين الطبيب والمريض.
أما محاولة تجاوز هذه العلاقة واللجوء للصيدلي توفيراًً للوقت والمال فعاده ماتكون نتيجته عدم تحسن المريض وإنفاق المال دون لزوم ثم اللجوء للطبيب وقد يكون المرض قد تفاقم وأصبح علاجه أصعب وأكثر كلفة.

اقتراحات لبناء الثقة بين المريض والطبيب:
أولاً: اختيار طبيب للأسرة يعالج أمراضها ويتابع لقاحاتها والتوصيات قبل سفر وبعده الى ما هنالك من الأمور الصحية اليومية.
ثم إذا دعت الحاجة يحول طبيب الأسرة مريضه إلى طبيب مجتهد مختص استشاري وهذا التحويل يحمل فى طياته الكثير من الإيجابيات .
فطبيب الأسرة سيختار أفضل الاستشاريين لأنه مسؤول أمام المريض عن هذا التحويل.
والطبيب الاستشاري سيبذل ما بوسعه دون إفراط ولا تفريط حفاظاً على سمعته وعلى استمرار عمله. وفي تعاون طبيبين لعلاج مريض واحد فائدة كبيرة للمريض.

ثانياً: ابتكار وسائل تعين على تبادل الثقة كأن يعطي الطبيب للمريض وساماً إن أقلع عن التدخين او التزم بحمية او تمارين أو التزم بدوائه. ولا يقللنّ أحد من تأثير هذه اللفتات على نفسية المريض. فالمريض يريد أن يشعر أنه مهم بالنسبة لطبيبه وأنّه يعرف عن صحته كل صغيرة
و كبيرة.
ويقابل ذلك رسالة عرفان من المريض للطبيب إن افلح تكون دعماً نفسياً للطبيب فكثير منا في الغرب تصله تلك الرسائل ويفرح بها كثيراً, بل يعلّقها في غرفته شهادةً على خبرته.

ثالثاً: وضع خطة للتثقيف الصحي للأسرة بواسطة قراءة الكتيّبات و متابعة الشؤون الطبية على الإنترنت و ما إلى ذلك.
إن الثقة بين الطبيب و المريض لا تبنى بين عشية و ضحاها. بل هي علاقة تراكمية تحتاج إلى وقت. هذا الوقت قد يثمرعلاقة طويلة الأمد بين الطرفين. وفي بعض الأحيان تتطورهذه العلاقة لتصبح علاقة شخصية يكتنفها الكثير من الود و المحبة بين الطرفين.
وأخيراً كلمة لا بد منها.

إن كل ماسبق هي من الأسباب الحقيقية لانعدام الثقة بين المريض و الطبيب لا بد من علاجها.
أمّا السبب الوهمي فهوالاعتقاد أن أي طبيب غربي أفضل من أي طبيب عربي. وهذا سببه عقدة النقص فينا. وهو اعتقاد خاطئ لا حاجة للرد عليه فالكل يعرف أن كثير من أطبائنا الذين اختصوا في الغرب فاقوا كثيراً من نظراءهم الغربيين علماً و عملاً وخلقاً.
إنّ الطبيب العربي العالم الماهر الحاذق أفضل من أي طبيب غربي فهو على الأقل سيفهم شكوى المريض دون ترجمان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق