السبت، 27 يوليو 2013

عبد الفتاح إذ ظنّ نفسه عبد الناصر


عبد الفتاح إذ ظنّ نفسه عبد الناصر
د. طارق أبو غزالة
٢٧ يوليو ٢٠١٣ 
يبدو أن السيسي عندما قام بانقلابه لم يكن يرى أمامه إلا مثال الضباط الأحرار إذ يقومون بثورتهم في 23 يوليو عام 1952 ومن ثم حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لمصر بكاريزما وطنية تجاوزت حدود مصر.
لكن السيسي فاته أن يرى السياق الذي قام به الضباط الأحرار في مقابل السياق الذي ابتدعه وجهز له ليقوم بانقلابه يوم 3 يوليو 2013.
ففي عام 1952 كانت مصر تحت حكم وراثي أجنبي (ذي أصول تركية) وكان الأجواء السائدة في العالم العربي أجواء سخط على كل الأنظمة الوراثية من المحيط إلى الخليج لأنها اعتبرتها حصان طروادة للتدخلات الأجنبية في بلاد العرب التي أدت في ذروة ذلك التدخل إلى تقسيم البلاد إلى مناطق نفوذ غربية حسب معطيات جيوسياسية بالثروات العربية الكامنة في الأرض بالإضافة إلى تسليم فلسطين للوكالة اليهودية لتوطين اليهود من أصقاع الأرض وتهجير الفلسطينيين منها ليصبحوا لاجئين مشردين في الأرض.
هذا هو سياق الانقلابات التي تتالت على المنطقة العربية ولاقت استحسانا من الشعوب في ذلك الوقت لأنها قدمت لها وعدين اثنين: تحسين وتحرير:  تحسين حياة الناس وتحرير فلسطين 
.
بعد أن استتب الأمر للجيوش المنقلبة ومع مرور الزمن انتقلت مراكز النفوذ الاقتصادي من الطبقة الملكية الوراثية لتصبح بيد الجيوش العربية دون أن تمر بطبقات الشعب الموعود بالتحسين فازداد الفقراء فقرا والأغنياء غنى.  لكن الفقراء لم يستطيعوا الخروج على الحاكم واستبداله لأن الحاكم كان قد استدعى الكاهن ليذكرهم بحرمة الخروج عليه ويحيل الوعد بالرفاهية إلى الجنة في الدار الآخرة جزاء الصبر على شظف العيش في الدنيا. أما من رفض هذه التبرير فكانت الرصاصة جاهزة لاغتياله هو وأمثاله مع التبرير أن هذه الرفض سيؤدي إلى تأخير إنجاز وعد التحرير فظهرت مقولة "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة" هذا هو السياق الذي استمر عقودا طويلة حتى أحرق البوعزيزي نفسه بسبب نفاذ صبره على تسويف الوعد الأول من تحسين للحياة بعد أن كشفت وثائق ويكيليكس عن الخارجية الأمريكية أن من يحكم تونس هم طبقة المافيا الفاسدة ولا فائدة ترجى من إصلاحها. اندلعت شرارة الثورة العربية الحديثة في بلدان كثيرة منها ما استطاع اقتلاع النظام القديم ومنها من لايزال ثائرا ضده بعد أن ألجأه المستبد لخيارات كلها أحلاها مرّ من استدعاء التدخل الخارجي عليه, وحمل السلاح ضد أبناء البلد الواحد وقدح شرارة الطائفية العابرة للحدود .

في مصر لم تختلف الصورة كثيرا عن باقي دول الربيع العربي فالنظام القديم كان قد استبدل رأس الهرم مبارك فيما أبقى على كل منظومة الاستبداد المتبقية سليمة لم تمس وهي السلك الأمني و العسكري والاقتصاد والإعلام والقضاء وبعد سنتين و نيف قامت هذه المنظومة بانقلابها على أول رئيس منتخب بالإرادة المصرية الحرةعلى يد الجنرال السيسي. لكن الذي فات الجنرال أن 2013 ليست 1952 رغم محاولته تغيير سياق التبرير برميه المسؤولية على الإرهابي المجهول تلك الكذبة السمجة التي بدأها جورج بوش الابن عام بعد أحداث سبتمبر 2001 وبرر بها احتلال دولتين مستقلتين وملاحقة الكثيرين بالطائرات المشغلة عن بعد وتابعه فيها بعد ذلك باقي الحكام العرب. لكن الجنرال نسي أمرا هاما وهو أن الشعوب ذاقت طعم الحرية لسنتين كاملتين قبل انقلابه وطعم الحرية مُسكِر لمن ذاقه.  نسي الجنرال أمرا أخر وهو أن وعد التحسين أصبح هو ما يشغل الناس وأن الناس تعلم أن أحد أهم أسباب نكث هذا الوعد هم الجيوش العربية نفسها التي كانت تستحوذ على أكثر من 80% من ميزانية دولها وناتجها القومي.
مهما حاول السيسي تزيين هيئته ببزة عسكرية ملونة ومزركشة بأجمل النياشين ونظارة شمسية سوداء ثمنها يكفي لإطعام عائلة في مصر أشهرا طويلة فإنه لن يستطيع أن يحجب بذلك حقيقة كبرى وهي أن الجيوش هي السبب في فقر الشعوب ومن خلف تلك الحقيقة حقيقة أكبر أن جيوشاً هذه صفاتها لن تستطيع تحرير فلسطين.