الأربعاء، 29 أغسطس 2012

مرسي والثورة السورية, آخر الآمال قبل خراب البصرة.


مرسي والثورة السورية, آخر الآمال قبل خراب البصرة.
د. طارق أبو غزالة

لم تشهد ثورة من ثورات الربيع العربي شدًّا وجذبًا مثلما شهدته الثورة السورية. لم يقتصر هذا الشدّ و الجذب على القوى الثورية في مقابلة النظام المستبد لكنه تجاوز حدود سوريا إلى جوارها وإقليمها ومن ثمّ إلى كافة المحافل الدولية في نسق لم يشهد العالم له نظيرا منذ عقود.
إن ما تعرضت له سوريا خلال سنة ونصف من تدمير وتفتيت وقتل وتهجير لهو الكارثة و النازلة و المصيبة بعينها وهذه حقيقة لا ينكرها أحد, لكن هذه الكارثة و النازلة و المصيبة لم تنته بعد وليس شيء في الأفق يدل على قرب انتهائها رغم كل ما يبثه الطرفان النظام الجلّاد والضحية المقاومة عن قرب بشائر النصر كل حسب روايته.  فالقتل و التدمير مازال ينزل بالسوريين ليل نهار حتى فقدنا التوجه متى يبدأ عدّ الشهداء في فترة الأربع و العشرين ساعة.
وقد أصبح من المسلّم به اليوم لدى الكثيرين أن كل ما يحدث في سوريا له هدف واحد هو إضعاف هذا الشعب المقاوم على يد جلّاد لا يرحم و بتواطئٍ دولي مريب اجتمع فيه الفيتو الروصيني مع الصمت الأوروأمريكي ثم ما لبث أن زاد من ذلك دعم النظام بمحور يستند إلى طائفية بالية عمرها أكثر من ألف سنة من إيران إلى العراق فحزب الله ولكلٍّ من هؤلاء أجندته الخاصة به المنفصلة عن أجندة النظام السوري, حتى صار وضع السوريين من كثرة التآمر عليهم كبيت المتنبي: وكنت إذا أصابتني سهامٌ   تكسَّـرت النصالُ على النصال. فالمؤامرة تتلوها المؤامرة والمهلة تتلوها المهلة وكل ذلك غرضه القضاء على عنفوان هذا الشعب و حيويته في نضال استمر لقرن كامل من الزمان من يوم قسّم بلاده وبلاد الشام وزير خارجية بريطانيا السير مارك سايكس ووزير خارجية فرنسا جورجيس بيكو في أيار مايو 1916 بمعاهدة سايكس-بيكو سيئة الصيت وما تلا ذلك من إقطاع فلسطين ليهود العالم بوعد بلفور الشهير ومحاولة إبقاء الوضع في بلاد الشام على ما هو عليه بميزان لا تميل كفته إلّا إلى إسرائيل في كل المحافل وذلك على حساب كل المكونات البشرية و الثقافية والدينية والمذهبية التي تزخر بها بلاد الشام, والتي لم تكن يومًا إلّا عامل قوة لجميع سكانها من عرب وكرد وتركمان ومسلمين و مسيحيين و يهود وشيعة و علويين و دروز وإسماعيلية وباقي المكونات التي هي أكثر من أن تحصى في مقالة قصيرة و لكنها كانت كلها دومًا عوامل إغناء لباقي المكونات.
إن هذه التركيبة التاريخية والجغرافية و البشرية المعقّدة هي أحد الأسباب الهامة وراء إطالة أمد القتل واستحراره في السوريين خلال ثورتهم الفتية.
مئة سنة تقريبًا انقضت وكل منطقة بلاد الشام لا تكاد تخرج من أزمة حتى تدخل في أخرى ما أنهك شعوبها و هدَّ من قوتها ولكن مع ذلك حافظت على حيويتها بل كانت سوريا عام 1952 وبعد ست سنوات على استقلالها عن الاستعمار الفرنسي الدولة الثانية في النمو الاقتصادي في آسيا بعد اليابان وكانت هي المرشحة أن تصبح ماليزيا الشرق الأوسط لو استمرت بذات النمو ولكن مجيء حزب البعث إلى السلطة عام 1963 وإحكام قبضته على مفاصل الدولة, ثم تحولت تلك القبضة عام 1970 إلى قبضة حديدية لا تبقي ولا تذر تركزت بفعل ذلك كل مقومات الدولة بيد نظام عمل على بث الطائفية في مجتمع لم يعرفها من قبل إلا نادرا في أزمات كانت توأد في مهدها بفعل الوعي الشعبي الذي كان التعايش والتراحم الأهلي أبرز سماته.
وبعد حكم النظام لهذا الشعب أربعة عقود بالحديد و النار ومع انقداح ثورات الحرية في ربيع العرب ثار السوريون ضد الاستبداد مثل إخوانهم في تونس و مصر و ليبيا و اليمن لكن مع فارق هو أن هذه الثورات لم تكن لتنتصر على مستبدّيها لولا حبل من الله أولًا ثمّ حبل من الناس. فالتونسيون كان لهم في جيشهم أكبر رديف للنصر والمصريون سارعت أمريكا للإعانة في إزاحة مبارك عن صدورهم بإيعازها للجيش عدم التدخل لصالحه, وليبيا تدخل معها حلف الناتو أما اليمن فنصف الشعب الثائر كان مسلحًا بذات السلاح لدى صالحٍ ورهطه.  أما السوريون فواضح في ثورتهم انقطاع حبل الناس عن دعمهم دعمًا يؤدي لنصرتهم مثل باقي إخوانهم, بل وجدنا أن من إخوانهم الذين انتصروا على مستبديهم بالأمس القريب من ينصح لهم بالتعقل ومحاورة جلّاديهم بينما لازال هو يطالب برأس جلّاده على رؤوس الأشهاد في قمة مكة الكرّمة في ليلة القدر! تلك القمّة التي لم يبق منها بعد أن انفضّ السّامر إلّا قرارًا بتجميد عضوية سوريا في منظمتها فيما تدين وبأشد لغة الجرائم ضد الإنسانية التي تُرتكب بحق مسلمي الروهينغا على يد حكومة ميانمار!
ومع اشتداد حلكة الليل المحيق بالشعب السوري وانقطاع الحبال الخارجية كافة بدأ يلوح في الأفق بصيص نور وأمل قد يعينه على تحقيق نصره قريبًا بإذن الله.
ولكن قبل الكلام عن هذا الأمل لابد من الإشارة إلى نقطة هامّة للغاية و هي أنّ المعارضة السورية بكل أطيافها الثورية والعسكرية والسياسية قد درجت مؤخّرا على تحميل إيران "كلّ" قبيحة تجري في سوريا بصيغة أصبحت برأيي مبالغًا فيها. فالجرائم المرتكبة يرتكبها الإيرانيون والطيارون الذين يقصفون المدن والقرى السورية إنما يقودها طيّارون إيرانيون والذبح يقوم به الإيرانيون وهم من يدرب السوريين على ميليشيا على غرار جيش المهدي في العراق. لا شك أنّ إيران داعمة للنظام عسكريًا و ماديٍّا لكن ذلك لا يعني أنها هي التي تقاتل الشعب السوري فمعركة الشعب السوري لازالت مع جلّاده السوري و ليست مع إيران التي ليس من مصلحة الشعب السوري أن تدخل فعلًا في المعركة ضده لأن ذلك سيؤدي حتمًا إلى تضاعف الضحايا التي قد يصل عددها عند ذلك إلى المليون من الشهداء وخراب ودمار لا قبل لنا به في ظل غياب عربي و دولي عن إحقاق أي حق ولو كلامًا ناهيك عن المساعدة الحقيقية التي تؤدي إلى النصر.
إن النظام في سوريا هو الذي يرتكب الجرائم و ليس بحاجة إلى تدريب من إيران أو حزب الله كي يقوم بها بل لعلّ العكس هو الصحيح فالنظام السوري هو الذي درّب حزب الله وزوده بالسلاح بشهادة حسن نصر الله ذاته والنظام هو الذي صدّر القتل إلى العراق أيام الانفلات الأمني بشهادة المالكي نفسه ولعلّ النظام السوري هو الذي نصح الإيرانيين بكيفية التعامل مع الثورة الإيرانية التي تلت انتخابات الرئاسة عام 2009 من خلال خبرته بالتعامل مع ثورة حماة. إن الكلمة المقيتة "بدّك حريي" التي ترنّ في أذن كل سوري ليس فيها أي عجمة إيرانية أو لهجة لبنانية أو عراقية بل هي سورية صافية لا تخطئها أذن أصغر طفل سوري.
إنّ إقحام إيران في الثورة السورية هو مطلب النظام السوري وليس مطلب الثورة, بل مطلب الثورة هو تذكير إيران دومًا أن تنأى بنفسها عن النظام وتفك الارتباط به لأنّ في ذلك مصلحتها فالثورة منتصرة في آخر المطاف رغم فداحة التضحيات, ولا أظن أنّ إيران ستزج بكل قوتها مع النظام السوري ولكن لها مصالح مثل أي دولة, فهي دولة إقليمية كبيرة ولا أظن أن قيامها يعتمد على استمرارية نظام الأسد بل العكس هو الصحيح. إن ما أبقى النظام في سوريا إلى الآن هو ما تمده به إيران و روسيا من مدد سياسي وعسكري لوجستي, ولو انقطع ذلك المدد لتهاوى النظام بسواعد السوريين وحدهم ودون الحاجة إلى أي معونة من الغرب أو غيرهم. وعكس ذلك صحيح أيضًا. فلو أن الغرب مد السوريين بما يطلبونه من سلاح نوعي فإن إيران وروسيا ستمد النظام بسلاح نوعي ضده, والشعب السوري هو الذي سيدفع الثمن في تلك الحالة بشريًّا و اقتصاديًّا من مستقبله الذي سيرُهن بعد الثورة لمصالح وأجندات دولية مختلفة.
إن إعادة تشكيل منطقة بلاد الشام والعراق بل وتركيا وإيران قد أصبح قاب قوسين أو أدنى بفعل الثورة السورية وحدها. وما يجري اليوم في لبنان هو إرهاصات ذلك و انعكاسه في بلد كان دومًا المرآة السياسية لكل تجاذبات محاور القوة في المنطقة وما خلفها.
لكن إعادة التشكيل هذه لابد فيها من طرف معين يقف على مسافة واحدة من هذه القوى العربية و التركية و الفارسية ولعل خير من يقوم بذلك اليوم هو مصر الثورة ورئيسها الدكتور محمد مرسي خاصة بعد أن أسفرت التغيرات الأخيرة خلال الأسابيع الماضية عن استقرار ثورتها وانحيازها  دون لبس لحقِّ الشعب السوري في الحرية و الكرامة و العدالة الاجتماعية.
إن مصر الثورة ليست مصر مبارك, فرغم أن الشعب المصري المتعاطف مع السوريين هو نفسه لم يتغير, لكن مفاصل اتخاذ القرار قد أصبحت اليوم بيد هذا الشعب. وواضح أن القيادة المصرية تريد أن تعيد لمصر اعتبارها  ودورها الرّيادي رغم وجود قوى مصرية وغير مصرية  تحاول معاكسة ذلك, لكن سنن التاريخ أثبتت إذا الشعب يومًا أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر.
الرئيس مرسي في قمة مكّة المكرّمة طرح طرحًا مفاده تعاون مصري سعودي تركي إيراني لحل الأزمة السورية  فقد آن الأوان حسب قوله لأن يرحل النظام السوري.
إنّ اجتماع هذه القوى الإقليمية الكبرى على طاولة واحدة و تعاونها لنصرة الشعب السوري و "ترحيل" النظام هو مطلب للثورة السورية, ووجود مصر و السعودية و تركيا على طاولة واحدة مع إيران للضغط عليها بقطع المدد عن النظام السوري هو أيضًا مطلب للثورة السورية.
أعلم أن البعض سيحتج على طرح الرئيس مرسي ولكن على من يحتج أن يقدم البديل مرفقًا بالفاتورة البشرية لهذا البديل. الشهداء في سوريا اليوم تجاوزا ال 25 ألفًا لكن هل يستطيع أن يضمن من يعارض هذا الطرح الذي طرحتْه مصر أن يضمن عدم ازدياد هذا العدد بل وتضاعفه.
إن سوريا موجودة في فضاء جيوسياسي يتعايش فيه العرب والترك والفرس ولن يأتي اليوم الذي تزول فيه أي من هذه القوى حتى يرث الله الأرض ومن عليها. وسوريا هي ركن من أركان هذا الفضاء وليست هامشًا له, يشهد على ذلك التاريخ.
إن ما يجب على المعارضة السورية الآن:
1-      التنسيق بين أجنحتها الثورية والعسكرية والسياسية للتوافق على حد أدنى من المطالب دون أي شق للصف أو تلاعب بالكلمات والألفاظ التي أخرت نصر الثورة وسمحت للنظام بالاختراق تلو الآخر.
2-      اختيار عدد معقول لامبالغة فيه من الممثلين الحقيقيين للثورة من كل أجنحتها اختيارًا يعتمد الكفاءة لأداء المهمة القادمة لا المحاصصة التي أثبتت فشلها في المرحلة السابقة.
3-      مسارعة المعارضة بعد ذلك وبشكل "موَحَّد" للاتصال بالرئاسة المصرية للوقوف على تفاصيل دعوة الرئيس مرسي بل والمساهمة فيها بشكل إيجابي وفعّال لتكون حاضرة في كل التحركات التي ستتمخض عنها هذه الدعوة.
4-      التنسيق بين قوى الثورة السورية الإلكترونية  لتصبّ جهودها على إنجاح المبادرة المصرية عبر صفحاتها على الشبكة العنكبوتية والتويتر والمواقع الإلكترونية.
5-      التنسيق بعد ذلك بين قوى الثورة السورية والمصرية الإلكترونية للتواصل مع الشعب المصري والشعب العربي وقواه المدنية الحية بما يتيح تمتين جبهته التي ستتعرض لمحاولات الاختراق من قوى النظام السوري الإلكترونية والإعلامية.
6-      تشكيل لجنة متابعة مشتركة بين أجنحة المعارضة السورية مهمتها:
أ‌-        متابعة تطورات المبادرة المصرية
ب‌-    تشكيل قوى ضاغطة على الأطراف المشاركة في الدعوة  من مصر والسعودية وتركيا و إيران.
ت‌-    العودة الدورية للشعب السوري لإعلامه بتطورات المبادرة المصرية وإبقاء قواه موحدة في سبيل إنجاحها.

إن مبادرة الرئيس مرسي  قد تكون آخر الآمال قبل خراب البصرة ولا أعني ذلك مثلاً دارجًا ولكن إن خربت سوريا فليس بعد ذلك إلا خراب البصرة!