الأحد، 26 يناير 2014

يا كييف حنا معاكي للموت

يا كييف حنا معاكي للموت
طارق أبو غزالة





ليس من الضروري اليوم أن يكون المرء خبيرا بالسياسة الخارجية كي يستطيع ربط  الأحداث  ببعضها واستقراء بعض النتائج لأننا في مرحلة نستطيع فيها استدعاء مسلمات جديدة ظهرت خلال العقدين الأخيرين لتعيننا على الفهم.
من هذه المسلمات اليوم أن أي قوة عظمى مهما كانت لا تملك قوة لا نهائية بل قوتها محدودة. اكتشفت أميركا ذلك في حربها الثانية على العراق عندما غاصت في مستنقعها لأنها فتحت الحرب في وقت كانت مازالت تخوض حربها في أفغانستان ضد طالبان.
خسرت أميركا في حربها أكثر من تريليون دولار كانت في أمس الحاجة إليها عندما ترنح اقتصادها عام 2008 تحت وطأة أزمة العقار الاقتصادية التي هوت بأمريكا من علياء القطب الأوحد وسمحت بصعود قوى عظمى متجددة أهمها التنين الصيني والدب الروسي إضافة إلى قوى صاعدة صغيرة جديدة مثل البرازيل والهند.
مايهم من هذه المسلمة ليس أمريكا بل روسيا. فما ينطبق على أمريكا كقوة عظمى ينطبق بالضرورة على روسيا. فروسيا اليوم لا تستطيع فتح جبهات متعددة في وقت واحد. لذلك فهم الروس خطورة الربيع العربي وكانوا من الذين شاركوا بشدة في محاولات وأده بحجة محاربة الإرهاب الهلامي. استطاع الروس تمرير ما يريدون في سوريا والضغط على أمريكا التي لم تستطع الممانعة لضعفها النسبي الناجم عما ذكر آنفا.
اليوم نفهم لماذا استأسد الروس في عملية وأد الثورة السورية. ولمحاولة فهم ذلك سأستعمل الأرقام فإذا علمنا أن درعا التي اشتعلت فيها شرارة الثورة الأولى تبعد عن مدينة القامشلي حوالي 850 كم, ونعلم أن القامشلي تلقفت الشرارة في بدايات الثورة وخرجت جماهيرها الكردية السورية تطالب برفع الظلم عن درعا "يا درعا حنا معاكي للموت"
وإذا علمنا أن كييف تبعد عن موسكو تقريبا 850 كم, وعلمنا أن هناك ثورة اشتعلت في كييف تطالب برحيل زلمة روسيا في أوكرانيا, نستطيع بذلك أن نفهم لماذا تحاول روسيا اليوم جاهدة اليوم وأد الثورة في أوكرانيا بسرعة قبل أن تصل الثورة إلى ديارها ويخرج الموسكيون ينادون "سفابودا حرية" كما خرج الأكراد ينادون آزادي حرية.



إن خوف روسيا من انتقال الثورة إلى ديارها ليس وهميا بل حقيقة ماثلة في أذهان بوتين وعصابته. سمعنا بذلك في بدايات الثورة في سوريا لكن آثرنا أن لا نصدقه بسبب بعده واستحالة حدوثه في مخيلتنا, لكنه لم يكن كذلك في مخيلة حكام الكريملين. وما يحدث اليوم في أوكرانيا يؤكد ذلك.

إن غرض استعراض موضوع الثورة في كييف ليس من باب الترف الفكري, لكنه ضروري اليوم لفهم ديناميكية المفاوضات في مونترو.





فروسيا لا تستطيع تحمل عبء ملفين كبيرين سوريا وأوكرانيا, خاصة وهي مقبلة على دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي التي كلفت خزينتها خمسين مليار دولار في وقت كان ما رصد لها هو 12 مليار دولار فقط.

دورة سوتشي ستستنزف روسيا أمنيا في شهر فبراير القادم وقد يكون ذلك القشة التي ستقصم ظهر الدب. وقد بدأ القلق يتسرب إلى الدول المشاركة خاصة بعد التفجيرات التي حدثت في الدول المحاذية لروسيا في مكان ليس ببعيد عن سوتشي وبعد أن تسربت أنباء عن أن هجمات إرهابية قد تحصل في سوتشي خلال سير الألعاب.
إن الأسابيع القادمة حاسمة في مسار المفاوضات السورية السورية. يجب أن تعي المعارضة أنها اليوم في وضع قوي يسمح لها بأن ترفع سقف مطالبها, إن لم يكن بسبب التضحيات الجمة للشعب السوري, فبسبب القلق الروسي الحقيقي مما يحدث في كييف.
إن انسحاب الوفد السوري المعارض ردا على دعوة إيران لجنيف 2 أجبر الولايات المتحدة على التدخل السريع والحاسم بسحب الدعوة خلال أقل من 24 ساعة من توجيهها. والآن وقد انطلق قطار المفاوضات وفي ظل كل الأوضاع الدولية الراهنة وضغوطها على روسيا, تستطيع المعارضة أن ترفع سقف مطالبها بتشكيل هيئة الحكم الانتقالي لتصبح هي الجهة الشرعية المخولة بتطبيق باقي بنود الاتفاق من إطلاق سراح المعتقلين, ودخول المساعدات الإنسانية وإعادة المهجرين إلى ديارهم -بدل إخراجهم منها كما حدث في حمص البارحة. كل هذا يحتاج إلى شجاعة لا يعدمها السوريون. 

 من هنا يجب أن يكون الشعار الجديد للشعب السوري خلال المفاوضات
 يا كييف حنا معاكي للموت.
لعل ذلك الاسم يكون من نصيب الجمعة القادمة 
وليشرب بوتين وباقي الرفاق البحر


الأربعاء، 22 يناير 2014

العوامل الثلاثة التي حسمت جولة مونتيرو الأولى

د. طارق أبو غزالة


فعلا ما حصل خلال 48 ساعة الماضية كان حاسما في قلب كثير من الموازين والحسابات في مونتيرو 1.
ثلاثة عوامل كان لها تأثيرا هائلا فيما حدث.

1- سحب الأمم المتحدة دعوتها لإيران لحضور المؤتمر. فرغم أنني لست مقتنعا بالفكرة وكنت أحبذ أن تحضر إيران وتجلس في مقابلة وفد الثورة لأن الصورة عندها ستكون أكثر تمثيلا لما يحدث على الأرض فدور إيران فيما يحدث هو مربط الفرس وليس للنظام فيها ناقة ولا جمل, بل النظام مثل حذاء رئيس وزرائه السابق محمود الزعبي الذي أهداه إياه حافظ الأسد بدون شواطات كي لا يحل ولا يربط.
على كل حال فإن سحب دعوة إيران في هذه المرحلة أطاش حجر مفاوضي النظام لأنهم على ما يبدو كانوا قد جهزوا أنفسهم على وجود إيران وتلقينهم فن التفاوض فاستفاض المعلم في الوقت ولم يدر أن الناس الحاضرة تحترم الوقت وأنك لو كنت خطيب الثورة الفرنسية المفوه "ميرابو", بمجرد تجاوزك للوقت ينسى السامعون كل ما تقدمت به ويبدؤون بالتململ. حتى الوزير الزعبي بدا مذهولا خلف المعلم.
الأمر الآخر الذي تشير إليه سحب الدعوة أن أمريكا لازالت تتمتع بهيمنة ولو جزئية على المؤسسة الدولية وتتعامل معها كأنها بيتها الثاني وذلك يعود إلى أن معظم تمويل المؤسسة من أمريكا. لعل روسيا تستطيع أن ترفع يدها بالفيتو, لكنها لا تستطيع تجاوز أمريكا بدعوة من تشاء إلى بيتها.
أضف إلى ذلك أن سحب دعوة إيران لم يكن ليحدث لولا تهديد المعارضة بالانسحاب. هذا الموقف يعطي انطباعا أن الثورة السورية بدأت بالفعل عملية فك سوريا عن إيران.
كل ذلك قد يؤدي إلى أن يعيد الكثير من السوريين المؤيدين للنظام حساباتهم إذا يجدون أن أكبر داعميه إيران قد أصبحت خارج نطاق التأثير عليه بغض النظر عن أسباب ذلك.


2- تسريب صور التجويع والتعذيب والقتل الممنهج قبل يومين من انطلاق المؤتمر حوَّل الصورة الذهنية التي تشكلت في الفترة الأخيرة عبر الإعلام الغربي عن النظام من صورة المظلوم من هجمات الإرهابيين إلى صورة نازي بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى. فالشعوب الأوروبية محفور في ذاكرتها صور مماثلة من الحرب العالمية الثانية لجرائم النازية في حق اليهود وتعتبر تلك الشعوب نفسها مسؤولة  بصمتها آنذاك عن تلك الجرائم. هذه الصور التي تسربت من سوريا أدت إلى إيقاظ هذا الشعور في الوعي الداخلي لتلك الشعوب مع نوع من الإحساس بالمسؤولية. لذلك ركز وفد النظام اليوم على أن هذه الصور ليست من نتاجه بل من نتاج الجماعات الإرهابية في محاولة يائسة لإعادة الوعي الداخلي الأوروبي للنوم. لكن الذي لم ينتبه له النظام نقطة حاسمة في قضية تسريب الصور وهو صمت إسرائيل الكامل إزاء هذه هالصور وما يعني ذلك للغربيين أن هذا السكوت هو إقرار ضمني بجريمة النظام الهائلة التي توازي جرائم النازيين. فمعروف أن إسرائيل تحتكر الهولوكوست ولا تسمح لأي شيء بأن يشوش عليها حتى ولو كان بمستوى مجازر صبرة وشاتيلا. صمت إسرائيل عن الصور لا يعني للوعي الغربي إلا أن الصور حقيقية وغير مفبركة وأن إسرائيل تقر ضمنا بأن هناك نظاما نازيا جار لها يرتكب جرائم ضد شعبه توازي تماما ما ارتكبه هتلر ضد اليهود من شعبه. لذلك تعي إسرائيل والغرب من خلفها أن إنكار هذه الصور اليوم سيفتح الباب بالضرورة لإنكار مستوى جريمة النازيين بحق اليهود. كان يُتوقع من اليهود في إسرائيل أن يكونوا الأعلى صوتا استنكارا للصور المسربة, فهم إذ صمتوا ولم يكذبوها فهم يقرون ضمنا بالجريمة.
يجب على الوفد السوري المعارض أن لا يترك وسيلة لشرح معاناة السوريين التي أصبحت الصور المسربة رمزا لها إلا ويستعملها. ومن ذلك أن يأتوا بالصور إلى الإعلام عند كل سانحة. قال المعلم قبل المؤتمر "سنغرقهم بالتفاصيل" ويجب أن يكون الرد "سنغرقكم في رائحة جرائمكم".
تسريب هذه الصور سيؤدي بالكثير من مرتكبي الجرائم التي فضحتها لأن يعيدوا حساباتهم فقد أصبحت الصور مثل حبل المشنقة الذي التف حول الرقبة ولم يبق إلى دفش الكرسي من تحت الواقف عليه.



3- الالتفاف السوري حول وفد المعارضة الذي كان له أثر كبير على الوفد في مونتيرو وانعكس على أدائه إيجابيا فيما بدا وفد النظام وكأنه يلعب خارج أرضه وجمهوره. يجب أن يستمر هذا الالتفاف حول وفد الثورة ومقاومة كل محاولات النظام لكسره. فالنظام يعلم أنه خسر إلى الآن المدرب "إيران" والإعلام  والأرض والجمهور, وسيحاول أن يضيع الوقت ريثما يتمكن من تطبيق خطة بديلة.
مازال في جعبة الثورة الكثير من الأوراق التي تقوي من موقفها أمام المجتمع الدولي. استعمال هذه الأوراق تباعا سيؤدي إلى إرباك ومن ثَمَّ  زحزحته  تدريجيا عن مكانه.
هذا الالتفاف حول الثورة سيؤدي بالكثير من المعادين للنظام ولكن غير الداعمين للثورة إلى مراجعة حساباتهم. فليس أقوى من صورة القوة والتوحد كي تكون مغناطيس الثورة الجديد.



السبت، 18 يناير 2014

سلسلة التدمير: كيف يشيطن الاستبداد خصومه


طارق أبو غزالة
مقال مستوحى ترجمةً وتصرفاً من فيلم وثائقي لما وجدت فيه من حقائق يمكن تنزيلها والاستفادة منها في العالم العربي ما بعد ربيع الحرية.


سلسلة التدمير هي خارطة طريق تستعملها القوى المتغلبة لتوطيد تغلبها على من يقاوم هذا التغلب.
هذا المفهوم ورد في فيلم وثائقي عن الحرب على المخدرات اسمه "البيت الذي أعيش فيه". The House I live in
الفيلم يتحدث عن حرب الحكومة الأمريكية على المخدرات خلال الخمسين سنة التي مضت وكيف استخدمت الحكومة سلسلة التدمير لدمغ جماعات إثنية أو وظيفية بمسمى المخدرات كي تبرر حربا لا هوادة فيها عليهم. فتحت هذه الحرب حاربت الحكومة السود, والطليان, والمكسيكان وحتى البيض.

يشرح هذا الفيلم بشكل مذهل الخطوات التي استعملتها الحكومة الأمريكية في كل مرة استهدفت فيها مجموعة من المجموعات المذكورة أعلاه. 
هو استهداف على الكاتالوج أو خارطة طريق اسمها "سلسلة التدمير" Chain of Destruction  تتكون من خمس خطوات متتالية وظيفتها شيطنة أي مجموعة لتبرير ما تريد الحكومة أن تفعله بها بعد ذلك.  
سلسلة التدمير هذه استمرت خمسين سنة لكن الخطير في الموضوع أن هذه السلسة وجدت طريقها إلى بلادنا وفي خلال سنتين أنجزت ما عجزت عنه الحكومة الأمريكية في نصف قرن. والسبب في هذا برأيي يعود إلى سببين: 1- الوعي الكبير لدى الشعب الأمريكي في فهم خطوات السلسلة -2 قوة المقاومة السلمية في أمريكا وتنظيمها المنضبط بسبب وجود قيادات متميزة قادت الحراك السلمي من أمثال مارتن لوثر كينغ ومالكوم إكس وغيرهم.

ما هي خطوات هذا السلسلة التدميرية؟

1-      التحديد : Identification

أي تحديد المجموعة أو الجماعة المستهدفة ووصفها بأنها مصدر اضرابات ومشاكل للبلد. فجأة ومن دون مقدمات تصبح هذه المجموعة مجموعة سيئة وشريرة ويبدأ المجتمع بتغيير نظرته إليهم فبعد أن كان أفراد هذه المجموعة أناسا صالحين يصبحون لا قيمة لهم.
فطريقة تضخيم أي مشكلة هو أن تسأل السؤال الخطأ ومن ثم تجيب عليه بالإجابة الخطأ.
عادة يكون السؤال: من المسؤول عن كل مشاكلنا اليوم؟ ويأتي الجواب في حالة مجتمعات الربيع العربي: الإرهابيون ومن يؤيدهم ومن يمولهم بل كل من لا يجابههم.
بهذه الطريقة تتشيطن هذه المجموعة ويصبح من الصعب حتى الوقوف على الحياد ناهيك عن تأييدها.

2-      النبذ Ostracization



وذلك بتسليط الإعلام عليهم لشيطنتهم ونبذهم ومن ثم نفيهم من المجتمع ليعيشوا في غيتويات. في هذه المرحلة يتعلم المجتمع كيف يكرهون أفراد هذه الجماعة وكيف يستولون على أعمالهم وكيف يجعلون حياتهم جحيما. في هذه المرحلة أيضا يُخرَج أفراد المجموعة من مساكنهم وينفون إلى الغيتويات المنفصلة عن باقي المجتمع. في هذه المرحلة أيضا يخسر أفراد المجموعة أماكنهم في المدارس والجامعات وينبذهم باقي الطلبة ويفصلون من الجامعات ويحل محلهم آخرون.
في مرحلة النبذ هذه يتحول أفراد المجموعة من أفراد مكروهين إلى أفراد خارجين على القانون مهددين للمجتمع. الغرض من كل هذا عزل هذه المجموعة عن باقي المجتمع ودفعهم خارجه إلى المنطقة الأقل مقاومة وفي بلادنا تكون باتجاه التطرف وحمل السلاح.
في أواخر هذه المرحلة يكون التأثير الاقتصادي قد أخذ مأخذه ونال من أفراد الجماعة وأنهكهم بسبب نبذ ومقاطعة المجتمع لهم.
3-      المصادرة Confiscation

في هذه المرحلة يخسر أفراد المجموعة حقوقهم وحرياتهم المدنية, بل تُغيَّر القوانين وتُسنُّ  أخرى لتسهيل معاقبتهم وتوقيفهم وتفتيشهم على حواجز الأمن والجيش ولمصادرة ممتلكاتهم بل لاعتقال وإخفاء الناس أنفسهم.
تُمرَّر هنا القوانين اللازمة لشرعنة مصادرة الأموال والممتلكات دون حتى الحاجة لبيعها في أي مزاد. وفي بعض بلاد الربيع العربي ظهرت المصادرات في اسواق خاصة تباع بثمن بخس دراهم معدودة.
عملية نزع الأملاك هذه تُسهِّل بالضرورة عملية نزع الأرواح. أما أخطر ما يتم مصادرته فليس الأملاك ولا الأرواح لكن مصادرة أي أمل بالمستقبل.
4-      التجميع Concentration

بعد المصادرة والاستيلاء على الممتلكات والأرواح تبدأ عملية التجميع باعتقال أفراد الجماعة وزجِّهم في السجون والمعتقلات والمخيمات. في هذه المرحلة أيضا يخسر أفراد المجموعة حقهم في التصويت وفي إنجاب الأولاد, ويسخَّرون ويستغَّلون في العمل. في هذه المرحلة أيضا تظهر حالات الاغتصاب والحمل وربما الإنجاب داخل السجون ما يؤدي إلى تغيير كامل في بنية ونفسية المعتقلين وقد يحدث في هذه المرحلة تغير شامل لدى بعض أفراد المجموعة في طريقة نظرتهم إلى المجتمع فمنهم من ينسحب تماما ومنهم من يبدأ عداوة شديدة قد تستمر لأجيال.
بعض أفراد الجماعة قد ينجحون في الهرب من مرحلة المعتقلات إلى بلدان حرة لكنهم يبقون دون موارد كافية لإحداث تغيير يذكر طالما بقوا مشتتين في بلدان الاغتراب.
5-      الإبادة Annihilation

سوريا

مصر
وهي المرحلة النهائية في سلسلة التدمير وهنا قد تكون الإبادة غير مباشرة بمنع الرعاية الصحية والطعام عن أفراد الجماعة وبمنعهم من التزاوج والإنجاب. أو إبادة مباشرة بالقتل العمد يشرعن في ذلك استعمال كافة الأسلحة من السكين إلى فض الاعتصامات إلى القصف الصاروخي وبالطائرة واستخدام الكيماوي أو أفران الغاز.

تحدث هذه الخطوات بزخم ذاتي ومن دون أي ضغط من أحد, وكل خطوة في هذه السلسة تؤدي إلى الخطوة التي تليها.  
الخطير في سلسلة التدمير هذه أنها حدثت كاملة في مصر وسوريا وفي زمن قياسي اختصر المسافات بين كل مرحلة من مراحلها ولعل سبب ذلك أن منظومة الاستبداد متجذرة في هذين البلدين لعقود طويلة استسلم خلالها شعب البلدين للأمر الواقع اللهم إلا انتفاضة هنا أو هناك يكون مصيرها إعادة حلقات السلسة من جديد. كما أن أحد أهم الأسباب في استطاعة النظامين في سوريا ومصر من حرق المراحل في سلسلة التدمير هو وجود آلة إعلامية جبارة شيطنت الطرف الآخر على مدار الساعة.
أما العامل الحاسم الذي استطاعت منظومة التدمير في سوريا ومصر به الوصول إلى الإبادة فهو عامل الجيش والقوات المسلحة التي أبادت الشعب دون أي صعوبة أو مقاومة تذكر من داخل هذه المؤسسة العسكرية والأمنية
لا أعلم ما هو الحل للفكاك من سلسلة التدمير هذه, إلا أن الأمر الوحيد الذي أعرفه أن لا بديل عن مقاومتها مع محاولة توعية باقي فئات المجتمع لمراحلها ولعملية غسل الدماغ التي يتعرضون لها, بالإضافة إلى تذكيرهم أن كل فرد فيهم مسؤول في الدنيا وفي الآخرة عما ترتكبه يداه وأن كل نفس بما كسبت رهينة ومهما ألقى المرء من أعذار للتنصل من المسؤولية الأخلاقية فهو لابد واقع تحت قول الله تعالى: بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره.
وفيما يلي رابط يشرح سلسلة التدمير من الفيلم الوثائقي البيت الذي أعيش فيه.