الجمعة، 6 يوليو 2012

أخطاء الثورة السورية


أخطاء الثورة السورية


إن الكلام عن أخطاء أي ثورة ليس بالأمر الهين لأنّ ذلك قد يفهم منه انتقاصاً من تضحيات ثوارها خاصة إن كانت ثورة مثل الثورة السورية التي ضحى أهلها بالغالي و النفيس في سبيل حريتهم و كرامتهم المهدورة على مدار نصف قرن. لكن تصويب و تقويم الثورت ضرورة لا بد منها لأن التاريخ علمنا أن أي ثورة ممكن أن تنحرف أو تضيع بسبب شراسة الأنظمة التي ثار عليها الناس أو بسبب الثورات المضادة التي تتخفى ثم تعيد إنتاج نفسها في ثوب ثوري لا تلبس أن تنقض به على الثوار فتنهيهم و تعود إلى صدارة المشهد بشكل أشد شراسة من قبل وهذا ما كاد أن يحصل في الثورة المصرية لولا حكمة المصريين وتضحياتهم.
الثورة السورية بإجماع ثوار الربيع العربي أشد الثورات ضراوة وامتاز ثوارها بشجاعة قل نظيرها في تاريخ تلك الثورات. فالسوريون لا يواجهون فقط النظام الذي ثاروا عليه بل دول عظمى تتحكم بمفاصل القرار الدولي تدعم النظام في كل محفل في ظل تخاذل باقي القوى العالمية و نكوصها بشكل عرّى تماما كل المنظومات الأخلاقية التي مافتئت تلك الدول تبيع و تصدر للعالم من حقوق الإنسان في الحرية   والكرامة و السعي نحو السعادة.
مثل باقي الثورات أيضاً ظهرت بعض الأخطاء خلال الثورة السورية  التي سأناقشها خلال مسيرتها من يوم 15 آذار إلى الزمن الحالي  من خلال تحليل مبني على متابعة للثورة في الداخل و الخارج. هذه المناقشة ستكون على ثلاث مستويات:
1-      على مستوى الخطاب
2-      على مستوى المواقع
3-      على مستوى الرمز   

أولًا- على مستوى الخطاب:
شهدت الثورة السورية تطورا لخطابها مر عبرثلاث مراحل:
المرحلة الأولى شهر العسل الوطني: من الانطلاقة إلى دخول الجيش درعا في الأسبوع الخامس للثورة
المرحلة الثانية : من دخول الجيش درعا إلى أغنية القاشوش 27-6- 2011
المرحلة الثالثة: من أغنية القاشوش إلى اليوم
المرحلة الأولى:
تميزت باندلاع الثورة وبدء تشكل خطابها مستمدا من خطاب ثوري عربي محيط تشكل في بوتقة الربيع العربي و انتقل من دولة لأخرى مع المحافظة على خصوصية الخطاب المحلي لكل دولة وتدرجه سريعا لخطاب شامل ينادي: "الشعب يريد إسقاط النظام"
تميزت أيضا هذه المرحلة ببدء الخطاب "الثوري" على الفضائيات من الداخل و الخارج و تميز خطاب الداخل بالاعتدال و انخفاض السقف مقابل الخارج مرتفع السقف ويميل للحدية نوعا ما.
هذا الخطاب بدأ بتشكيل رموز و نجوم الثورة السورية ومعظم هؤلاء من الخارج لارتفاع سقف الخطاب.
في تلك الفترة لم يكن هناك فرق عند السوريين بين معارض و آخر فالكل معارض و ثوري. الكل كان ينتظر من يتكلم من الداخل رغم سوء الاتصالات. لم يكن هناك تخوين. كل المعارضين كانوا أبطالا ثم ما لبث أن تغير تصنيفهم مع تغير الخطاب و الممارسة لاحقاً.
خلال تلك الفترة كانت القمع يتزايد من جمعة إلى التي تليها و مع هذا التزايد للقمع ارتفعت وتيرة خطاب الخارج بينما اتجه خطاب الداخل إلى لوم من يظنون سبب المأساة و بالتحديد رامي مخلوف أي "العامل الاقتصادي" ما أدى إلى سلسلة من الإجراءات التي اتخذها النظام فغير الوزارة و استقال رامي مخلوف وانتقل للعمل الخيري.
المرحلة الثانية:
مع بقاء الحل الأمني وارتفاع حدته ووصوله في ذلك الوقت إلى الذروة التي تمثلت بدخول الجيش إلى درعا في الأسبوع الخامس بدأ الداخل و الخارج بمحاولة تطوير الخطاب عبر مبادرات لحل الأزمة.
تسارعت وتيرة المبادرات فظهرت مبادرات داخلية و أخرى خارجية تميزت باختلاف السقف تماما كالخطاب الإعلامي الذي ميز المرحلة الأولى مع بدء فرز للمعارضة حسب الجملة الأولى لأي منها: "بسم الله أم بسم الوطن" فبدأت بذلك ملامح التيار الإسلامي و العلماني بالتبلور مع كتابة أول مبادرة ثم ما تلاها من مبادرات. هذه المبادرات كانت هي التي ستضع مقترحا لحل الأزمة كل حسب روآه.
فبدأت بذلك تظهر بوادر الفرقة  بين مكونات المعارضة  مع  بعضها من جهة و بين المعارضة  و التأييد من جهة أخرى وبدأ ظهور نوع من التمايز والانتماء إلى مكونات المعارضة بشقيها الكبيرين إسلامي و علماني مالبث أن أصبح هذا التمايز نوعا من التجاذب السياسي وصل في بعض الأحيان إلى نوع من التدافع.
بدا الحراك على مستوى الداخل محصنا ضد هذه التجاذبات في البداية واستمر بخطابه المركز على أمرين: الحرية والوضع الاقتصادي وكان رمز تلك المرحلة أغنية القاشوش بجملتيها الشهيرتين: "الحرية صارت ع الباب" و "لسع كل فترة حرامي شاليش وماهر ورامي سرقوا إخواتي و اعمامي" والحل للمشكلتين بالجملة الأشهر للقاشوش: "ارحل ارحل يا بشار"
هذه الأنشودة لامست ألف وتر حساس عند الشعب و أصبحت نشيده الوطني بعد أن انقلب حماة الديار على الوليد والرشيد.

المرحلة الثالثة:
بعد ذلك وبعد العسف الأمني للجيش و الأمن بالشعب وقتل القاشوش و الرموز الكبرى للثورة دخل الخطاب حالة كسر العظم و نقطة اللارجوع مع النظام تجلت برفع شعار "الشعب يريد إعدام الرئيس" فظهر تغير واضح في الخطاب الثوري فبعد بعد خطاب ثوري رائع في بداية الثورة (سلمية سلمية, واحد واحد واحد الشعب السوري واحد, حرية للأبد غصبا عنك يا اسد) فجأة انحرف الخطاب إلى خطاب لعن و شتم أصبح أنشودة الثورة (يلعن روحك ياحافظ) خلافا مثلا للثورة الليبية التي حافظت على شعار مجمع واحد (دم الشهداء مايمشيش هبا)  هذا الخطاب منع من تطوير خطاب ثوري في مواجهة خطاب النظام الذي تمحور منذ البداية و بشكل مركز حول نقطتين لا ثالث لهما:
1.      المؤامرة الكونية على سوريا
2.      العصابات الإرهابية المسلحة
بخلاف الثورة الليبية فقد عانت الثورة السورية من غياب العقل المفكر الذي يصوغ ويوجه خطابها السياسي والاستراتيجي ويرد به على خطاب النظام. (كان يتعاقب على الإعلام ثلة من المفكرين الليبيين يشرحون قصتهم للناس شرحا لا لطمية فيه بالإضافة إلى العميد الركن المتقاعد الشهير صفوت الزيات الذي كان يحلل الأوضاع عسكريا على الأرض)

ثانياً: على مستوى المواقع:
الثورة هدف متحرك سريع الحركة على مستوى الوقائع و الأشخاص:
ذلك أن ماهو مقبول  ومؤثر اليوم قد يصبح بلا معنى بعد زمن قليل  ومثال ذلك بيان علماء سوريا في بداية الثورة الذي كتبه ووقعه أكثر من عشرة من كبار العلماء المسلمين داخل سوريا.  لم يظهر البيان إلى العلن بسبب تهديدات الأمن للعلماء. ورغم تسرب نسخة منه إلى يد عدد محدود من الأشخاص إلا انه لم يتسرب للإعلام بدعوى "إننا مؤتمنون على البيان"
عندما تسرب البيان بعد أسابيع أصبح بلا أي معنى لأنه لم يعد يعكس الواقع الراهن للثورة.
تغير مواقع المعارضة:
ظهر جليا منذ البداية تخبط المعارضة الخارجية  في إدارة دفة الصراع في الخارج وانتقال عدوى ذلك إلى أي معارض من الداخل التحق بالخارج فيما بعد.
ومقارنة بسيطة بالثورة الليبية التي استطاعت إفراز مجلس انتقالي ثابت من 30 عضوا يمثلون كافة مكونات النسيج الليبي على رأسه 9 أعضاء لمجلس وطني انتقالي قاد السفينة الليبية للإطاحة بالقذافي
فثبات الأشخاص و ثبات الهدف ضرورة أساسية تسمح للجميع بالتعامل مع المعارضة بارتياح.
أما في الثورة السورية فقد أدّى عدم ثبات مواقع المعارضة خاصة الخارجية منها على تشويش المتابع للثورة وكان لهذا أثر سلبي من ناحية شحّ الإنجاز وسهولة الاختراق لاختلاف المشهد على  المعارض المتنقل بين المناصب. بينما أبدعت الثورة السورية في مواطن أخرى تميزت بالثبات الذي ساعد على الإنجاز الثوري في مستويات مختلفة  وكانت أكثر أذرع الثورة ثباتا وإنجازا هي:
الثابت الأول: الذراع الطبي والذراع الإغاثي لأن القائمين عليهما من الاختصاصيين الذين لا تغير في مواقعهم والذين سارعوا منذ بداية الثورة إلى تنظيم أنفسهم بسرعة بل و إعادة كتابة لوائحهم الداخلية بما يضمن نصرة الثورة دون أي عائق.  
الثابت الثاني: الذراع العسكري الذي و إن تأخر حتى نظم صفوفه و لكن ثبات مواقعه مكنه من أن يكون مغناطيسا للانشقاقات ومن ثم التنظيم. 
الثابت الثالث: هو الحراك الثوري الذي سارع منذ البداية إلى تنظيم نفسه ضمن ثلاث أو أربع كتل ضخمة: الهيئة العامة للثورة السورية ولجان التنسيق المحلية و المجلس الأعلى للثورة السورية.
وعى النظام هذا الثبات فحاول ضربه بكل ما أوتي من قوة. فأصبحت لفظة طبيب وجيش حر وثائر توازي الاعتقال الذي كان يفضي إلى الإعدام الميداني في كثير من الأحيان.
أدى عدم الثبات  في مواقع المعارضة السياسية  أيضا الى عدم القدرة على الاستفادة  من أخطاء النظام بسبب انشغالها بتنظيم نفسها. وأوضح مثال على ذلك عدم الاستفادة من فضيحة الايميلات الرئاسية المسربة مثال ذلك قبول شهرزاد الجعفري في جامعة كولومبيا في نيويورك اعتمادا على توصية للصحفية الشهيرة باربرا والترز. بدلا من أن تستفيد المعارضة السياسية من هذا الخبر فتخترق الجامعة سياسياً عبر المطالبة العادلة بطرد المستشارة الإعلامية للرئيس من الجامعة نجد أن من يقوم بذلك هم مجموعة من المغتربين الذين تحركوا على الانترنت عبر العرائض الموجهة للجامعة.

ثالثاً: على مستوى الرمز:

1-  الرمز الشهيد:
رغم وجود بعض الرموز التي تشكلت خلال الثورة مثل الشهيد غياث مطر و حمزة الخطيب و تامر الشرعي وهاجر الخطيب إلا أن معظم شهداء و معتقلي الثورة السورية لم  أصبحوا أرقاما منسية في لحودهم أو سجونهم.
إن شهداء الثورة السورية  يجب أن تصبح قصصاً تحكى على مر الأجيال وهذا ما أبدعت به الثورة الفلسطينية من قبل حيث أصبحت قصص أبطالها زاداً روحياً لأجيال الفلسطينيين جيلاً بعد جيل وما قصة شهداء البراق محمد جمجوم و فؤاد حجازي و عطا الزير الذين استشهدوا دفاعاً عن حائط البراق المقدس عام 1930 على أيدي البريطانيين إلا مثالاُ على حياة الثورة لما يقارب القرن من الزمان في قلوب الفلسطينيين.

2-  الرمز الحي:
إن الرموز الحية لها أثر كبير في الدفع بالثورات إلى مستويات متقدمة سواء على المستوى الداخلي أو العالمي في محافل مختلفة حسب انتماء الرمز وما قصة المناضل الفلسطيني لاعب منتخب فلسطين لكرة القدم محمود سرسك إلا مثال على تأثير الرمز تحركت الفيفا والمحافل الدولية لكرة القدم بقوة ما أسفر عن إطلاق سراحه بعد شهر من الآن. وقصة الصبي القناص الروسي خلال الحرب العالمية الثانية الذي أصبح أسطورة تمد الشعب بالدعم المعنوي خلال الحصار النازي لموسكو مثال أيضاً على ضرورة صناعة الرموز في حياة الثورات.