السبت، 18 يناير 2014

سلسلة التدمير: كيف يشيطن الاستبداد خصومه


طارق أبو غزالة
مقال مستوحى ترجمةً وتصرفاً من فيلم وثائقي لما وجدت فيه من حقائق يمكن تنزيلها والاستفادة منها في العالم العربي ما بعد ربيع الحرية.


سلسلة التدمير هي خارطة طريق تستعملها القوى المتغلبة لتوطيد تغلبها على من يقاوم هذا التغلب.
هذا المفهوم ورد في فيلم وثائقي عن الحرب على المخدرات اسمه "البيت الذي أعيش فيه". The House I live in
الفيلم يتحدث عن حرب الحكومة الأمريكية على المخدرات خلال الخمسين سنة التي مضت وكيف استخدمت الحكومة سلسلة التدمير لدمغ جماعات إثنية أو وظيفية بمسمى المخدرات كي تبرر حربا لا هوادة فيها عليهم. فتحت هذه الحرب حاربت الحكومة السود, والطليان, والمكسيكان وحتى البيض.

يشرح هذا الفيلم بشكل مذهل الخطوات التي استعملتها الحكومة الأمريكية في كل مرة استهدفت فيها مجموعة من المجموعات المذكورة أعلاه. 
هو استهداف على الكاتالوج أو خارطة طريق اسمها "سلسلة التدمير" Chain of Destruction  تتكون من خمس خطوات متتالية وظيفتها شيطنة أي مجموعة لتبرير ما تريد الحكومة أن تفعله بها بعد ذلك.  
سلسلة التدمير هذه استمرت خمسين سنة لكن الخطير في الموضوع أن هذه السلسة وجدت طريقها إلى بلادنا وفي خلال سنتين أنجزت ما عجزت عنه الحكومة الأمريكية في نصف قرن. والسبب في هذا برأيي يعود إلى سببين: 1- الوعي الكبير لدى الشعب الأمريكي في فهم خطوات السلسلة -2 قوة المقاومة السلمية في أمريكا وتنظيمها المنضبط بسبب وجود قيادات متميزة قادت الحراك السلمي من أمثال مارتن لوثر كينغ ومالكوم إكس وغيرهم.

ما هي خطوات هذا السلسلة التدميرية؟

1-      التحديد : Identification

أي تحديد المجموعة أو الجماعة المستهدفة ووصفها بأنها مصدر اضرابات ومشاكل للبلد. فجأة ومن دون مقدمات تصبح هذه المجموعة مجموعة سيئة وشريرة ويبدأ المجتمع بتغيير نظرته إليهم فبعد أن كان أفراد هذه المجموعة أناسا صالحين يصبحون لا قيمة لهم.
فطريقة تضخيم أي مشكلة هو أن تسأل السؤال الخطأ ومن ثم تجيب عليه بالإجابة الخطأ.
عادة يكون السؤال: من المسؤول عن كل مشاكلنا اليوم؟ ويأتي الجواب في حالة مجتمعات الربيع العربي: الإرهابيون ومن يؤيدهم ومن يمولهم بل كل من لا يجابههم.
بهذه الطريقة تتشيطن هذه المجموعة ويصبح من الصعب حتى الوقوف على الحياد ناهيك عن تأييدها.

2-      النبذ Ostracization



وذلك بتسليط الإعلام عليهم لشيطنتهم ونبذهم ومن ثم نفيهم من المجتمع ليعيشوا في غيتويات. في هذه المرحلة يتعلم المجتمع كيف يكرهون أفراد هذه الجماعة وكيف يستولون على أعمالهم وكيف يجعلون حياتهم جحيما. في هذه المرحلة أيضا يُخرَج أفراد المجموعة من مساكنهم وينفون إلى الغيتويات المنفصلة عن باقي المجتمع. في هذه المرحلة أيضا يخسر أفراد المجموعة أماكنهم في المدارس والجامعات وينبذهم باقي الطلبة ويفصلون من الجامعات ويحل محلهم آخرون.
في مرحلة النبذ هذه يتحول أفراد المجموعة من أفراد مكروهين إلى أفراد خارجين على القانون مهددين للمجتمع. الغرض من كل هذا عزل هذه المجموعة عن باقي المجتمع ودفعهم خارجه إلى المنطقة الأقل مقاومة وفي بلادنا تكون باتجاه التطرف وحمل السلاح.
في أواخر هذه المرحلة يكون التأثير الاقتصادي قد أخذ مأخذه ونال من أفراد الجماعة وأنهكهم بسبب نبذ ومقاطعة المجتمع لهم.
3-      المصادرة Confiscation

في هذه المرحلة يخسر أفراد المجموعة حقوقهم وحرياتهم المدنية, بل تُغيَّر القوانين وتُسنُّ  أخرى لتسهيل معاقبتهم وتوقيفهم وتفتيشهم على حواجز الأمن والجيش ولمصادرة ممتلكاتهم بل لاعتقال وإخفاء الناس أنفسهم.
تُمرَّر هنا القوانين اللازمة لشرعنة مصادرة الأموال والممتلكات دون حتى الحاجة لبيعها في أي مزاد. وفي بعض بلاد الربيع العربي ظهرت المصادرات في اسواق خاصة تباع بثمن بخس دراهم معدودة.
عملية نزع الأملاك هذه تُسهِّل بالضرورة عملية نزع الأرواح. أما أخطر ما يتم مصادرته فليس الأملاك ولا الأرواح لكن مصادرة أي أمل بالمستقبل.
4-      التجميع Concentration

بعد المصادرة والاستيلاء على الممتلكات والأرواح تبدأ عملية التجميع باعتقال أفراد الجماعة وزجِّهم في السجون والمعتقلات والمخيمات. في هذه المرحلة أيضا يخسر أفراد المجموعة حقهم في التصويت وفي إنجاب الأولاد, ويسخَّرون ويستغَّلون في العمل. في هذه المرحلة أيضا تظهر حالات الاغتصاب والحمل وربما الإنجاب داخل السجون ما يؤدي إلى تغيير كامل في بنية ونفسية المعتقلين وقد يحدث في هذه المرحلة تغير شامل لدى بعض أفراد المجموعة في طريقة نظرتهم إلى المجتمع فمنهم من ينسحب تماما ومنهم من يبدأ عداوة شديدة قد تستمر لأجيال.
بعض أفراد الجماعة قد ينجحون في الهرب من مرحلة المعتقلات إلى بلدان حرة لكنهم يبقون دون موارد كافية لإحداث تغيير يذكر طالما بقوا مشتتين في بلدان الاغتراب.
5-      الإبادة Annihilation

سوريا

مصر
وهي المرحلة النهائية في سلسلة التدمير وهنا قد تكون الإبادة غير مباشرة بمنع الرعاية الصحية والطعام عن أفراد الجماعة وبمنعهم من التزاوج والإنجاب. أو إبادة مباشرة بالقتل العمد يشرعن في ذلك استعمال كافة الأسلحة من السكين إلى فض الاعتصامات إلى القصف الصاروخي وبالطائرة واستخدام الكيماوي أو أفران الغاز.

تحدث هذه الخطوات بزخم ذاتي ومن دون أي ضغط من أحد, وكل خطوة في هذه السلسة تؤدي إلى الخطوة التي تليها.  
الخطير في سلسلة التدمير هذه أنها حدثت كاملة في مصر وسوريا وفي زمن قياسي اختصر المسافات بين كل مرحلة من مراحلها ولعل سبب ذلك أن منظومة الاستبداد متجذرة في هذين البلدين لعقود طويلة استسلم خلالها شعب البلدين للأمر الواقع اللهم إلا انتفاضة هنا أو هناك يكون مصيرها إعادة حلقات السلسة من جديد. كما أن أحد أهم الأسباب في استطاعة النظامين في سوريا ومصر من حرق المراحل في سلسلة التدمير هو وجود آلة إعلامية جبارة شيطنت الطرف الآخر على مدار الساعة.
أما العامل الحاسم الذي استطاعت منظومة التدمير في سوريا ومصر به الوصول إلى الإبادة فهو عامل الجيش والقوات المسلحة التي أبادت الشعب دون أي صعوبة أو مقاومة تذكر من داخل هذه المؤسسة العسكرية والأمنية
لا أعلم ما هو الحل للفكاك من سلسلة التدمير هذه, إلا أن الأمر الوحيد الذي أعرفه أن لا بديل عن مقاومتها مع محاولة توعية باقي فئات المجتمع لمراحلها ولعملية غسل الدماغ التي يتعرضون لها, بالإضافة إلى تذكيرهم أن كل فرد فيهم مسؤول في الدنيا وفي الآخرة عما ترتكبه يداه وأن كل نفس بما كسبت رهينة ومهما ألقى المرء من أعذار للتنصل من المسؤولية الأخلاقية فهو لابد واقع تحت قول الله تعالى: بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره.
وفيما يلي رابط يشرح سلسلة التدمير من الفيلم الوثائقي البيت الذي أعيش فيه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق