الأربعاء، 22 يناير 2014

العوامل الثلاثة التي حسمت جولة مونتيرو الأولى

د. طارق أبو غزالة


فعلا ما حصل خلال 48 ساعة الماضية كان حاسما في قلب كثير من الموازين والحسابات في مونتيرو 1.
ثلاثة عوامل كان لها تأثيرا هائلا فيما حدث.

1- سحب الأمم المتحدة دعوتها لإيران لحضور المؤتمر. فرغم أنني لست مقتنعا بالفكرة وكنت أحبذ أن تحضر إيران وتجلس في مقابلة وفد الثورة لأن الصورة عندها ستكون أكثر تمثيلا لما يحدث على الأرض فدور إيران فيما يحدث هو مربط الفرس وليس للنظام فيها ناقة ولا جمل, بل النظام مثل حذاء رئيس وزرائه السابق محمود الزعبي الذي أهداه إياه حافظ الأسد بدون شواطات كي لا يحل ولا يربط.
على كل حال فإن سحب دعوة إيران في هذه المرحلة أطاش حجر مفاوضي النظام لأنهم على ما يبدو كانوا قد جهزوا أنفسهم على وجود إيران وتلقينهم فن التفاوض فاستفاض المعلم في الوقت ولم يدر أن الناس الحاضرة تحترم الوقت وأنك لو كنت خطيب الثورة الفرنسية المفوه "ميرابو", بمجرد تجاوزك للوقت ينسى السامعون كل ما تقدمت به ويبدؤون بالتململ. حتى الوزير الزعبي بدا مذهولا خلف المعلم.
الأمر الآخر الذي تشير إليه سحب الدعوة أن أمريكا لازالت تتمتع بهيمنة ولو جزئية على المؤسسة الدولية وتتعامل معها كأنها بيتها الثاني وذلك يعود إلى أن معظم تمويل المؤسسة من أمريكا. لعل روسيا تستطيع أن ترفع يدها بالفيتو, لكنها لا تستطيع تجاوز أمريكا بدعوة من تشاء إلى بيتها.
أضف إلى ذلك أن سحب دعوة إيران لم يكن ليحدث لولا تهديد المعارضة بالانسحاب. هذا الموقف يعطي انطباعا أن الثورة السورية بدأت بالفعل عملية فك سوريا عن إيران.
كل ذلك قد يؤدي إلى أن يعيد الكثير من السوريين المؤيدين للنظام حساباتهم إذا يجدون أن أكبر داعميه إيران قد أصبحت خارج نطاق التأثير عليه بغض النظر عن أسباب ذلك.


2- تسريب صور التجويع والتعذيب والقتل الممنهج قبل يومين من انطلاق المؤتمر حوَّل الصورة الذهنية التي تشكلت في الفترة الأخيرة عبر الإعلام الغربي عن النظام من صورة المظلوم من هجمات الإرهابيين إلى صورة نازي بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى. فالشعوب الأوروبية محفور في ذاكرتها صور مماثلة من الحرب العالمية الثانية لجرائم النازية في حق اليهود وتعتبر تلك الشعوب نفسها مسؤولة  بصمتها آنذاك عن تلك الجرائم. هذه الصور التي تسربت من سوريا أدت إلى إيقاظ هذا الشعور في الوعي الداخلي لتلك الشعوب مع نوع من الإحساس بالمسؤولية. لذلك ركز وفد النظام اليوم على أن هذه الصور ليست من نتاجه بل من نتاج الجماعات الإرهابية في محاولة يائسة لإعادة الوعي الداخلي الأوروبي للنوم. لكن الذي لم ينتبه له النظام نقطة حاسمة في قضية تسريب الصور وهو صمت إسرائيل الكامل إزاء هذه هالصور وما يعني ذلك للغربيين أن هذا السكوت هو إقرار ضمني بجريمة النظام الهائلة التي توازي جرائم النازيين. فمعروف أن إسرائيل تحتكر الهولوكوست ولا تسمح لأي شيء بأن يشوش عليها حتى ولو كان بمستوى مجازر صبرة وشاتيلا. صمت إسرائيل عن الصور لا يعني للوعي الغربي إلا أن الصور حقيقية وغير مفبركة وأن إسرائيل تقر ضمنا بأن هناك نظاما نازيا جار لها يرتكب جرائم ضد شعبه توازي تماما ما ارتكبه هتلر ضد اليهود من شعبه. لذلك تعي إسرائيل والغرب من خلفها أن إنكار هذه الصور اليوم سيفتح الباب بالضرورة لإنكار مستوى جريمة النازيين بحق اليهود. كان يُتوقع من اليهود في إسرائيل أن يكونوا الأعلى صوتا استنكارا للصور المسربة, فهم إذ صمتوا ولم يكذبوها فهم يقرون ضمنا بالجريمة.
يجب على الوفد السوري المعارض أن لا يترك وسيلة لشرح معاناة السوريين التي أصبحت الصور المسربة رمزا لها إلا ويستعملها. ومن ذلك أن يأتوا بالصور إلى الإعلام عند كل سانحة. قال المعلم قبل المؤتمر "سنغرقهم بالتفاصيل" ويجب أن يكون الرد "سنغرقكم في رائحة جرائمكم".
تسريب هذه الصور سيؤدي بالكثير من مرتكبي الجرائم التي فضحتها لأن يعيدوا حساباتهم فقد أصبحت الصور مثل حبل المشنقة الذي التف حول الرقبة ولم يبق إلى دفش الكرسي من تحت الواقف عليه.



3- الالتفاف السوري حول وفد المعارضة الذي كان له أثر كبير على الوفد في مونتيرو وانعكس على أدائه إيجابيا فيما بدا وفد النظام وكأنه يلعب خارج أرضه وجمهوره. يجب أن يستمر هذا الالتفاف حول وفد الثورة ومقاومة كل محاولات النظام لكسره. فالنظام يعلم أنه خسر إلى الآن المدرب "إيران" والإعلام  والأرض والجمهور, وسيحاول أن يضيع الوقت ريثما يتمكن من تطبيق خطة بديلة.
مازال في جعبة الثورة الكثير من الأوراق التي تقوي من موقفها أمام المجتمع الدولي. استعمال هذه الأوراق تباعا سيؤدي إلى إرباك ومن ثَمَّ  زحزحته  تدريجيا عن مكانه.
هذا الالتفاف حول الثورة سيؤدي بالكثير من المعادين للنظام ولكن غير الداعمين للثورة إلى مراجعة حساباتهم. فليس أقوى من صورة القوة والتوحد كي تكون مغناطيس الثورة الجديد.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق