الأحد، 27 أكتوبر 2013

الرويبضة والسنوات الخداعات


د. طارق أبو غزالة

يستشهد الكثير منا بحديث الرويبضة للدلالة على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما ينبئنا عن المستقبل الذي نعاصره اليوم. وهو ما قد يوحي بشكل غير مباشر إلى أن زمن الرويبضة هو قضاء الله وقدره على الناس.
لكني سأحاول أن أثبت أن هدف النبي صلى الله عليه وسلم من توصيف هذا الزمن هو عكس ذلك تماما.
وهذا نص الحديث:
"سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب و يكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن و يخون فيها الأمين و ينطق فيها الرويبضة . قيل : و ما الرويبضة ؟
قال : الرجل التافه يتكلم في أمر العامة "
بداية, لا أظن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرمي إلى إثبات صدق نبوته بعد 1400 عام على بعثته لكن أرى في حديثه الشريف وصفاً لظاهرة ستتكرر في المجتعات طالما تكررت أسبابها فاستعمل النبي لفظ "الناس" للدلالة على أنها ليست خاصة بشعب أو عرق أو دين دون آخر بل تشمل كل الناس.
ثم وصف النبي هذه الظاهرة بعبارة "سنوات خدّاعات" فكلمة سنوات تفيد على طول فترة هذه الظاهرة وكلمة خدع في اللغة حسب لسان العرب تعني: "أَراد به المكروه وختله من حيث لا يعلم" وأركان هذا الخداع هي قلب المعايير الحقيقية العقلية المنطقية المعروفة عند الناس من صدق وكذب وأمانة وخيانة.
أي سيأتي على الناس ظاهرة طويلة الأمد تستمر لسنوات تُخدع فيها الشعوب بغرض إرادة المكروه بها ويتم ذلك بقلب المفاهيم الأساسية المنطقية التي تنبني عليها الحياة من تعريف الصدق والكذب والأمانة والخيانة ليسهل عند ذلك خداع الناس وتمرير أي شيء عليهم. ولا بد لتمرير هذا الخداع من رجال تافهين يرفع شأنهم فيصبحوا عند الناس بمرتبة عالية لا يأتيهم الباطل من بين أيديهم ولا من خلفهم.
من هذا الحديث نستطيع استنتاج أمرين:
1- فهم أن ما تعرضت له الشعوب العربية من خداع خلال القرن العشرين وإلى الآن لم يكن له غرض إلا إنزال المكروه بها.
2- وهو الأهم: إن هذه السنوات الخداعات ليست قدرا لا مفر لنا منه بل نستطيع التخلص منها بالعودة إلى المعايير الحقيقية للأمور أي أن يصدَّق فيها الصادق ويكذَّب الكاذب ويؤتمن الأمين ويخوَّن الخائن ولا يتكلم في أمور العامة إلا الرجل الجليل العظيم القدر. والله أعلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق