الاثنين، 14 أكتوبر 2013

لماذا تعاني المعارضة السورية من رهاب التفاوض؟




د. طارق أبو غزالة
في صفحته الشخصية على الفيسبوك نشر الشيخ معاذ الخطيب يوم 14-10-2013 ما يلي: 

"المعارضة السورية مصابة برهاب التفاوض حتى مع نفسها لذا لا تتفق على شيء ،، الحل ليس موضوعاً سياسياً بل نفسياً"

أوافق الشيخ الخطيب على تشخيصه لكن المهم لا أن نشخص المرض فحسب بل أن نعرف مسبباته كي نصل إلى علاجه الصحيح. ومن هنا فإن محاولة الوصول لأسباب هذا الرهاب قد تمكننا من علاجه.
الجواب برأيي يعود إلى العلاقة التفاوضية بين المتفاوضين من جهة وعلاقة المفاوض مع قاعدته التي يمثلها في المفاوضات من جهة أخرى.

1-      تفاوض الأصدقاء:
هذا النوع من التفاوض يقوم به طرفان نيابة عن قاعدة من الشعب انتخبت كلاً منهم انتخابا حرا لأغراض سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية محددة.  وهنا يقوم الطرفان المفاوضان بالتفاوض لتمرير المشاريع الانتخابية ويحكم العلاقة بين الطرفين قانون الأغلبية والأكثرية الانتخابية. في حال وجود أغلبية مريحة لأحد الطرفين لا يتم التفاوض عادة لتمكّن الطرف صاحب الأغلبية من تمرير ما يريد من قوانين. أما في حالات عدم وجود أغلبية وتعادل الطرفين تقريبا فالتفاوض يصبح أمرا ضروريا ولا بد من أن يتنازل كل طرف للآخر في مقابل الوصول إلى حل يرضي الجميع. وهذا ما يحدث الآن في الولايات المتحدة إذ الرئيس أوباما الديموقراطي منتخب بنسبة تفوق قليلا ال 50% ولكن مجلس النواب جمهوري ويسيطر عليه بأغلبية تسمح له بتعطيل بعض قرارات الرئيس وهذا ما حدث عندما رفض الجمهوريون مد الحكومة بالتمويل المالي اللازم لها كي تقوم بوظائفها فكان أن أغلقت الحكومة أبوابها. وغرض الجمهوريين هنا هو الضغط على الرئيس أوباما وثنيه عن المضي قدما في قانون الرعاية الصحية الذي أصبح قانونا نافذا منذ مارس 2010 ودخل حيز التنفيذ أكتوبر 2013, إذ يطلبون من الرئيس سحب تمويل القانون الذي وصل إلى مبلغ 900$ مليار (قرابة تريليون دولار) سيتم تأمينها عبر سحب الأموال من مشاريع أخرى أهمها قانون الرعاية الطبية للمسنين.  هنا لابد للطرفين من الوصول لحل توافقي وإلا فإن انتخابات الكونغرس على الأبواب وعندها يستطيع الشعب استبدال نوابه بآخرين يفاوضون عنه.
حالة أخرى شاهدناها من تفاوض الأصدقاء هي عندما استطاع مجلس العموم البريطاني إسقاط مشروع قرار لرئيس الوزراء كاميرون بالتدخل العسكري في سوريا عبر التصويت الديموقراطي بأغلبية كبيرة. عندها لم يجد كاميرون بدا من التراجع عن التدخل.
إن تفاوض الأصدقاء ضرورة بحد ذاتها لأي مجتمع, لأنه يصبح أداة فعالة تنظم الحياة بين أفراد المجتمع عبر عقد اجتماعي يبين حقوق وواجبات كل أفراد الشعب. كما أن تفاوض الأصدقاء يحصن الجبهة الخارجية للبلاد عبر تلك الآليات الديموقراطية لأنها تصبح الوسيلة التي تستطيع بها الحكومات المنتخبة مقاومة الضغوط الدولية عليها كما حدث في تركيا عند غزو أميركا للعراق وطلبها استخدام الأراضي التركية كي تنطلق منها طائرات الموت ضد الشعب العراقي الجار. عندها لجأت الحكومة إلى البرلمان كي تطلب الأذن باستخدام أمريكا للأراضي التركية لكن القرار سقط ونجت الحكومة التركية من أي ضغوطات كانت أميركا لتمارسها عليها لو أنها هي التي رفضت تنفيذيا الطلب الأميركي.   
2-      تفاوض الأعداء:
هذا التفاوض يقوم به مفاوضون عن حكوماتهم التي تستند إلى شرعية انتخابية أو إلى شرعية تاريخية مثلما حدث في حرب البوسنة عندما تفاوض القائد التاريخي علي عزت بيجوفيتش مع الصرب للوصول إلى حل سياسي لعله لم يكن الأمثل لكنه في النهاية حقن الدماء وأوصل البوسنة إلى ما هي عليه اليوم ولنا أن نتخيل حال البوسنة اليوم لو استمرت فيها الحرب الطاحنة.  مثال آخر لا بد من التنويه به هو عندما وافق الخميني يوم 8-8-88 على وقف إطلاق النار مع العراق ووصف موافقته تلك بأنها "تجرع لكأس السم" واليوم بعد 25 عاما على تجرع كأس السم تلك نرى كيف أنها لم تكن كأس سم بل كانت كأس مقويات أوصلت إيران اليوم إلى التحكم بمعظم مفاصل الشرق الأوسط. 
يحكم تفاوض الأعداء عوامل كثيرة أهمها:
أ‌-        وحدة وصلابة الطرف المفاوض
ب‌-    ميزان القوى العسكرية بين الطرفين
ت‌-    العلاقات الإقليمية والدولية للطرفين
ث‌-    مصالح الأطراف الإقليمية والدولية في الوصول إلى حل بين الطرفين.
في الحالة السورية نجد أن المعارضة السورية لم تحسن لعب ورقة التفاوض خلال ثلاثين شهرا من الثورة لعدة أسباب أهمها أنها لم تكن منتخبة شرعيا كما أنها لم تستطع إفراز قيادة تاريخية مثل حالة بيجوفيتش.
أضف إلى ذلك أن المعارضة الداخلية والخارجية لم تستطع ولو شكلياً إظهار أي وحدة وصلابة في بنيتها التمثيلية, بل كانت المهاترات بين بعض أفرادها تصل وتطفو إلى سطح شاشات الفضائيات أمام مرأى العالم .
وبدلا من أن تشكل المعارضة وفدا محدود العدد يمثل الشعب الثائر الهادر ويفاوض عنه بقوة وجدنا أن العدد التمثيلي للمعارضة استمر بالارتفاع واستطاعت تجمعات صغيرة لا تمثل الشعب بأي نسبة أن توقف تشكيل وجه حقيقي للمعارضة السياسية الذي كانت الأطراف الاقليمية والدولية تنتظر ولادته على أحر من الجمر. هذا التوسع في أعداد الممثلين عن السوريين أدّى بالمعارضة إلى تفتّت نواتها ومن ثمّ شرّقت بها المصالح الاقليمية والدولية وغرّبت.  لذلك لجأت المعارضة السورية (الخارجية)  بقصد منها أو غير قصد إلى تكتيك نفسي خطير وهو رفع سقفها التفاوضي إلى أعلى مستوى ليس لأن هذا السقف هو الأنسب ولكن لأن هذا السقف التفاوضي العالي أصبح بحد ذاته مرجعية تستمد منها المعارضة شرعيتها قاطعة بذلك الطريق على أي مفاوض آخر أن يتقدم بسقف أقل علوّاً دون أن يتعرض مباشرة للتخوين والاغتيال الاعتباري لشخصه كما حدث مع الشيخ معاذ الخطيب في الوقت الذي لم يعد أحد من السوريين يتجرأ فيه على مساءلة أصحاب السقف التفاوضي العالي: هل تستطيعون تحقيق هذه الشروط التفاوضية العالية؟  الجواب هو "لا" بطبيعة الحال لكن الجواب غُيِّب عن الوعي الجمعي للشعب السوري بطريقة الهروب للأمام ما أدى إلى ارتكاب أكبر جريمة بحق هذا الشعب الطيب. أعتقد أن اليوم قد حان لمساءلة الجهات التي رفعت السقف التفاوضي للسوريين عن رؤيتهم لكيفية تحقيق تلك الشروط العالية.  فالهروب إلى الأمام لم يعد مجديا بل أصبح مكلفا جدا. يجب أن يصارح أولئك العالون الشعب السوري المنكوب أنهم لم يكونوا ليستطيعوا  تحقيق تلك الشروط سابقا (وهذا أصبح ثابتا لأنها لم تتحقق) ولن يستطيعوا تحقيقها لاحقا (وهذا أصبح واضحا يراه الجميع بسبب تشتت المعارضة). لا يعني ذلك أن أصحاب السقف العالي خونة, لكنه يعني أنهم اصحاب سذاجة تصل إلى حمق سياسي كبير فهم قد ارتكبوا كبيرتين جريميتن بحق الشعب. الأولى أنهم مسؤولن مسؤولية غير مباشرة عما حدث له. الثانية: أنهم حولوا تفاوض الأصدقاء بين أطياف المعارضة إلى تفاوض أعداء يخون كل طرف الطرف الآخر ما أدى إلى شبه استحالة إخراج أي وجه سياسي معتبر للسوريين يذهب ليفاوض عن الشعب. هذا يعني أن سوريا ربما قد تكون دخلت نفقا لا تخرج منه أبداً.
مما تقدم نستنتج أن رهاب التفاوض عند المعارضين السوريين اليوم سببه أنهم لا يتمتعون بأي صفة تمثيلية ولا يستند أي منهم إلى شعبية انتخابية ولا إلى شعبية تاريخية. أما الحل لتلك المعضلة فخطوته الأولى تبدأ بأن نعترف بأننا نعاني من المرض ومن ثمّ نفكر جميعا بالترياق.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق