السبت، 28 يونيو 2014

الفتح باللسان والفتح بالسنان

د. طارق أبو غزالة


عرضت على صفحتي في الفيسبوك فيديو للدكتور عدنان إبراهيم يقول فيه رأيه عن الفتوحات الإسلامية. الرابط في أسفل المقال.
أرى أن هذا الفيديو ذا السبع دقائق أثار جدلا بين من شاهده. ولي على ذلك عدة ملاحظات:

أولا: الدكتور عدنان إبراهيم مختلف في طرحه عن كثير ممن سمعنا وقرأنا لهم وليس المقام عنا للدفاع أو الهجوم على الدكتور عدنان.

ثانيا: هناك فعلا أمور يطرحها الدكتور عدنان قد لا نوافق عليها. لكن ذلك لا يعني كما يحلو للبعض أن يقول أنه  يدس السم في الدسم لأن تلك المقولة تستلزم تخوينه وأنه داهية منافق حاقد على الإسلام وهذا يحتاج لدليل.

ثالثا: الدكتور في مقاربته في هذا الفيديو يحاول أن بفصل بين نوعين من الفتح الإسلامية.

أ‌-        الفتح الراشد
ب‌-     ما سوى ذلك من الفتوح.
فهو يقول أنه ليس متعاطفا مع النوع الثاني من الفتوحات بمجملها لأنه يعتبرها توسعا إمبراطوريا تنطبق عليها قوانين وسنن القوة والتوسع التي تنطبق على كل الامبراطوريات رغم أنه يلاحظ كما يقول أن الدولة الأموية والعباسية تميزتا عموما برحمة كبيرة فيما لو قارنهما بحال توسعات الامبراطوريات الأخرى.



رابعا: يستشهد الدكتور عدنان بالعلامة المؤرخ حسين مؤنس 1911-1996  صاحب المؤلف الشهير "أطلس تاريخ الإسلام" -انظر الرابط أسفل- ومؤلف "الإسلام الفاتح" والذي ميز فيه بين نوعين من الفتح وملاحظة مؤنس أن الإسلام حيث انتشر بالدعوة مكث في الأرض, وحيث انتشر بالسيف تراجع وانحسر. هذه الملاحظة لا أعتبرها إطلاقية, لكني أقول أن الفتح الذي انتشر في العصر النبوي والراشد مكث في الأرض غالبا لأن الناس أحست رحمة الإسلام قولا وفعلا فأصبحت جزءا من الدولة تتساوى مع باقي من رعاياها دون تمييز.

هذا الأمر غاب تدريجيا في الدولة الأموية من ثَمّ العباسية حيث ظهرت النزعة العربية القرشية في الأولى, بينما برزت الدعوات الشعوبية في الثانية كرد فعل على الأولى. أما في المراحل المتأخرة من تاريخ المسلمين فقد انحسر الإسلام عن معظم الدولة العثمانية اللهم إلا البوسنا وألبانيا, فيما انحسر الإسلام عن كامل الأندلس.
هذه وقائع وليست تخمينات. ما نحتاجه اليوم هو أن ننكب على دراسة هذه الظواهر. لماذا مكث الإسلام في بلاد فيما انحسر عن أخرى. ما هي خصائص الدولة الراشدة التي تمكنت من ترسيخ الإسلام حيث وصلت إليه. إن مما يمكن أن يفسر به هذه الظاهرة هو الحرص الشديد للخلفاء الراشدين (بمن فيهم الخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه) على آلية معينة للفتح لا يحيدون عنها.
1-      الدعوة إلى الإسلام وقبول الشراكة المتساوية في الحقوق والواجبات في دولته.
2-      دفع الجزية أو الضريبة في حال رفضوا الدعوة.
3-      القتال. 
هذه الآلية هي التي ثبتت دعائم الإسلام في تلك الدول المفتوحة وفي معظم الأحيان لم يحتج المسلمون إلى أكثر من الدعوة إلى الإسلام. ولكن خلال الدولة الأموية ظهرت هناك بوادر خلل في تلك الآلية حين لام بعض عمال الأقاليم  الخليفة عمر بن عبد العزيز على سياسة رفع الجزية عمن أسلم ، ولكن عمر جابههم بالقول الفصل : " ضع الجزية عمن أسلم قبح الله رأيك ؛ فإن الله إنما بعث محمدا صلى الله عليه وسلم هاديا ولم يبعثه جابيا ، ولَعَمري لعُمرُ أشقى من أن يدخل الناس كلهم في الإسلام على يديه "  .
كما ظهرت بوادر الخلل عند بعض القادة العسكر كما حدث في فتح سمرقند حين حاد القائد العسكري قتيبة بن مسلم الباهلي عن هذا الترتيب فغافل أهلها ودخل البلاد حربا عنوة. وباقي القصة معروفة من شكوى أهل سمرقند عما حدث لهم للخليفة عمر لهم حيث أرسل قاضيا للتحقق من الموضوع. وحين تيقن القاضي من صدق أهل سمرقند أمر الجيش بـأن يفكك منظومته ويخرج خارج البلد ثم يعيد الكرة لكن حسب الشروط المعروفة. وقبل أن ينتهي الجيش من تفكيك نفسه كانت سمرقند قد دخلت في الإسلام لما رأوا أن قاضيا ضئيل الجسم لا حول له ولا قوة يحكم على جيش جبار فأيقنوا أن ليس بعد ذلك من حاجة للإنسان إذ أصبحت حقوقه مصانة من هجوم السيف.

https://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=nSrRbQnQJWU





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق